المؤلف: مناع بن خليل القطان (ت ١٤٢٠هـ)
الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع
لطبعة: الطبعة الثالثة ١٤٢١هـ- ٢٠٠٠م
عدد الصفحات: ٤٠٧
عدد الأجزاء 1
الموضوع: علوم القرأن، علوم التفسير
فهرس الموضوعات
- التفسيروالتأويل
- مدخل
- معنى التفسير والتأويل
- الفرق بين التفسير والتأويل
- شرف التفسير
- شروط المفسر وآدابه
- مدخل
- شروط المفسر
- آداب المفسر
- نشأة التفسير وتطوره
- مدخل
- التفسر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
- التفسير في عصر التابعين
- التفسير في عصور التدوين
- التفسير الموضوعي
- طبقات المفسرين
- التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي
- الاختلاف فيه
- تجنب الإسرائيليات
- حكم التفسير بالمأثور
- التفسير بالرأي
- حكم التفسير بالرأي
- الإسرائيليات
- تفسير الصوفية
- التفسير الإشاري
- غرائب التفسير
- التعريفات بأشهر كتب التفسير
- أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالمأثور
- أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالرأي
- مدخل
- أشهر كتب التفسير في العصر الحديث
- تفسير الفقهاء
- مدخل
- أحكام القرآن للجصاص
- أحكام القرآن لابن العربي
- الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله القرطبي
- تراجم لبعض مشاهير المفسرين
- ابن عباس
- مجاهد بن جبر
- الطبري
- ابن كثير
- فخر الدين الرازي
- الزمخشري
- الشوكاني
- المراجع
- العودة الي مباحث في علوم القرآن
التفسير والتأويل
مدخل
23- التفسير والتأويل:
القرآن الكريم هو مصدر التشريع
الأول للأمة المحمدية، وعلى فقه معناه ومعرفة أسراره والعمل بما فيه تتوقف
سعادتها. ولا يستوي الناس جميعًا في فهم ألفاظه وعباراته مع وضوح بيانه وتفصيل
آياته، فإن تفاوت الإدراك بينهم أمر لا مراء فيه فالعامي يدرك من المعاني ظاهرها
ومن الآيات مجملها، والذكي المتعلم يستخرج منها المعنى الرائع. وبين هذا وذاك
مراتب فهم شتى، فلا غرو أن يجد القرآن من أبناء أمته اهتمامًا بالغًا في الدراسة
لتفسير غريب، أو تأويل تركيب.
معنى التفسير والتأويل
التفسير
في اللغة: تفعيل من الفَسر بمعنى الإبانة والكشف وإظهار المعنى المعقول، وفعله:
كضرب ونصر، يقال: فسر الشيء يفسر بالكسر ويفسره بالضم فسرًا، وفسره: أبانه،
والتفسير والفسر: الإبانة وكشف المغطى، وفي لسان العرب: الفسر كشف المغطى.
والتفسير كشف المراد عن اللفظ المشكل. وفي القرآن: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ
إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} 1, أي بيانًا وتفصيلًا
والمزيد من الفعلين أكثر في الاستعمال.
وقال ابن عباس في قوله تعالى:
{وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي تفصيلًا.
وقال بعضهم: هو مقلوب من "سفر"
ومعناه أيضًا: الكشف، يقال: سفرت المرأة سفورًا: إذا ألقت خمارها عن وجهها، وهي
سافرة، وأسفر الصبح:
1 الفرقان: 33.
أضاء, وإنما بنوه على
التفعيل؛ لأنه للتكثير، كقوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} 1، وقوله:
{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} 2, فكأنه يتبع سورة بعد سورة، وآية بعد آية.
وقال
الراغب: الفسر والسفر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكل جُعِل الفسر لإظهار
المعنى المعقول، وجُعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار، فقيل: سفرت المرأة عن
وجهها، وأسفر الصبح.
والتفسير في الاصطلاح: عرَّفه أبو حيان بأنه:
"علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية
والتركيبية، ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب وتتمات لذلك" .
ثم
خرَّج التعريف فقال: فقولنا: "علم" ، هو جنس يشمل سائر العلوم، وقولنا: "يبحث فيه
عن كيفية النطق بألفاظ القرآن" ، هذا هو علم القراءات، وقولنا: "ومدلولاتها" أي
مدلولات تلك الألفاظ، وهذا هو علم اللغة الذي يُحتاج إليه في هذا العلم، وقولنا:
"وأحكامها الإفرادية والتركيبية" ، هذا يشمل علم التصريف وعلم الإعراب، وعلم
البيان، وعلم البديع، وقولنا: "ومعانيها التي تُحمل عليها حالة التركيب" ، يشمل
ما دلالته عليه بالحقيقة، وما دلالته عليه بالمجاز، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره
شيئًا ويصد عن الحمل على الظاهر صاد فيحتاج لأجل ذلك أن يعمل على غير الظاهر، وهو
المجاز، وقولنا: "وتتمات لذلك" . هو معرفة النسخ وسبب النزول، وقصة توضيح بعض ما
انبهم في القرآن ونحو ذلك.
وقال الزركشي: التفسير: علم يُفهم به كتاب
الله المنزل على نبيه محمد, صلى الله عليه وسلم: وبيان معانيه، واستخراج أحكامه
وحكمه3.
1 البقرة: 49.
2 يوسف: 23.
3 "الإتقان"
جـ2 ص174.
والتأويل في اللغة: مأخوذ من الأول، وهو الرجوع إلى الأصل،
يقال: آل إليه أولًا ومآلًا: رجع.. ويقال: أوَّل الكلام تأويلًَا وتأوَّله: دبره
وقدَّره وفسَّره وعلى هذا: فتأويل الكلام في الاصطلاح له معنيان:
1-
تأويل الكلام: بمعنى ما أوَّله إليه المتكلم أو ما يؤوَّل إليه الكلام ويرجع،
والكلام إنما يرجع ويعود إلى حقيقته التي هي عين المقصود. وهو نوعان: إنشاء
وإخبار, ومن الإنشاء: الأمر.
فتأويل الأمر: هو الفعل المأمور به، ومن
ذلك ما رُوِي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأوَّل القرآن"
1. تعني قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ
تَوَّاباً} 2.
وتأويل الأخبار: هو عين المخبر إذا وقع. كقوله تعالى:
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً
لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي
تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا
بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ
فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} 3, فقد أخبر أنه فصَّل الكتاب، وأنهم
لا ينتظرون إلا تأويله، أي مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها، وما
في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وغير ذلك. فحينئذ يقولون: {قَدْ
جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا
لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ؟
2-
تأويل الكلام: أي تفسيره وبيان معناه. وهو ما يعنيه ابن جرير الطبري في تفسيره
بقوله: "القول في تأويل قوله تعالى كذا وكذا" ، وبقوله: "اختلف أهل التأويل في
هذه الآية" فإن مراده التفسير.
ذلك هو معنى التأويل عند السلف.
1
رواه البخاري ومسلم.
2 النصر: 3.
3 الأعراف: 52، 53.
والتأويل
في عرف المتأخرين: هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن
به - وهذا الاصطلاح لا يتفق مع ما يُراد بلفظ التأويل في القرآن عند السَّلف.
هذا
ومن العلماء من يفرق بين المعنى، والتفسير، والتأويل، للتفاوت بينها لغة وإن كانت
متقاربة، وقد نقل "الزركشي" هذا1.
قال ابن فارس: معاني العبارات التي
يعبر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة: المعنى، والتفسير, والتأويل، وهي وإن اختلفت
فالمقاصد بها متقاربة:
فأما المعنى: فهو القصد والمراد، يقال: عنيت
بهذا الكلام كذا، أي قصدت وعمدت، وهو مشتق من الإظهار، يقال: عنت القِربة، إذا لم
تحفظ الماء بل أظهرته، ومن هذا: عنوان الكتاب.
وأما التفسير في اللغة:
فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف. وقال ابن الأنباري: قول العرب: فسرت الدابة
وفسرتها، إذا ركضتها محصورة لينطلق حصرها، وهو يؤول إلى الكشف أيضًا. فالتفسير
كشف المغلق من المراد بلفظه، وإطلاق للمحتبس عن الفهم به.
وأما
التأويل: فأصله في اللغة من الأول، ومعنى قولهم: ما تأويل هذا الكلام؟ أي إلام
تؤول العاقبة في المراد به؟ كقوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} 2, أي
تُكشف عاقبته، ويقال: آل الأمر إلى كذا، أي صار إليه، وقال تعالى: {ذَلِكَ
تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} 3, وأصله من المآل, وهو العاقبة
والمصير, وقد أولته فآل- أي صرفته فانصرف فكأن التأويل صرف الآية إلى ما تحتمله
من المعاني. وإنما بنوه على التفعيل للتكثير.
1 انظر "البرهان" جـ2
ص146 بتصرف.
2 الأعراف: 53.
3 الكهف: 82.
الفرق
بين التفسير والتأويل
اختلف العلماء في الفرق بين التفسير والتأويل
وعلى ضوء ما سبق في معنى التفسير والتأويل نستطيع أن نستخلص أهم الآراء فيما
يأتي:
1- إذا قلنا: إن التأويل هو تفسير الكلام وبيان معناه, فالتأويل
والتفسير على هذا متقاربان أو مترادفان، ومنه دعوة رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- لابن عباس: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" .
2- وإذا
قلنا: إن التأويل هو نفس المراد بالكلام، فتأويل الطلب نفس الفعل المطلوب، وتأويل
الخبر نفس الشيء المُخبر به، فعلى هذا يكون الفرق كبيرًا بين التفسير والتأويل؛
لأن التفسير شرح وإيضاح للكلام, ويكون وجوده في الذهن بتعقله، وفي اللسان
بالعبارة الدالة عليه، أما التأويل فهو نفس الأمور الموجودة في الخارج، فإذا قيل:
طلعت الشمس، فتأويل هذا هو نفس طلوعها، وهذا هو الغالب في لغة القرآن كما تقدم،
قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ
كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}
1.
فالمراد بالتأويل وقوع المُخبر به.
3- وقيل: التفسير:
ما وقع مبيَّنًا في كتاب الله أو مُعيَّنًا في صحيح السٌّنَّة؛ لأن معناه قد ظهر
ووضح، والتأويل ما استنبطه العلماء، ولذا قال بعضهم: "التفسير ما يتعلق بالرواية,
والتأويل ما يتعلق بالدراية" 2.
4- وقيل: التفسير: أكثر ما يُستعمل في
الألفاظ ومفرداتها، والتأويل: أكثر ما يُستعمل في المعاني والجُمل - وقيل غير
ذلك.
1 يونس: 38، 39.
2 انظر "الإتقان" جـ2 ص173.
شرف
التفسير
والتفسير من أجلِّ علوم الشريعة وأرفعها قدرًا، وهو أشرف
العلوم موضوعًا وغرضًا وحاجة إليه لأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل
حكمة. ومعدن كل فضيلة ولأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى
السعادة الحقيقية وإنما اشتدت الحاجة إليه؛ لأن كل كمال ديني أو دنيوي لا بد وأن
يكون موافقًا للشرع، وموافقته على العلم بكتاب الله1.
1 انظر
"الإتقان" جـ2 ص175.
شروط المفسر وآدابه
مدخل
24- شروط المفسِّر وآدابه:
البحث العلمي النزيه أساس
المعرفة الحقة التي تعود على طلابها بالنفع، وثمرته من أشهى الأكل لغذاء الفكر
وتنمية العقل، ولذلك فإن تهيؤ أسبابه لأي باحث أمر له اعتباره في نضج ثماره ودنو
قطوفه، والبحث في العلوم الشرعية عامة وفي التفسير خاصة من أهم ما يجب الاعتناء
به والتعرف على شروطه وآدابه، حتى يصفو مشربه، ويحفظ روعة الوحي وجلاله.
شروط
المفسِّر:
وقد ذكر العلماء للمفسر شروطًا نجملها فيما يأتي:
1-
صحة الاعتقاد: فإن العقيدة لها أثرها في نفس صاحبها، وكثيرًا ما تحمل ذويها على
تحريف النصوص والخيانة في نقل الأخبار، فإذا صنف أحدهم كتابًا في التفسير أوَّل
الآيات التي تخالف عقيدته، وحمَّلها باطل مذهبه، ليصد الناس عن اتباع السلف،
ولزوم طريق الهدى.
2- التجرد عن الهوى: فالأهواء تدفع أصحابها إلى
نصرة مذهبهم، فيغرون الناس بلين الكلام ولحن البيان، كدأب طوائف القدرية والرافضة
والمعتزلة ونحوهم من غلاة المذاهب.
3- أن يبدأ أولًا بتفسير القرآن
بالقرآن، فما أُجمل منه في موضع فإنه قد فُصل في موضع آخر، وما اختُصر منه في
مكان فإنه قد بُسط في مكان آخر.
4- أن يطلب التفسير من السٌّنَّة
فإنها شارحة للقرآن موضحة له، وقد ذكر القرآن أن أحكام رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- إنما تصدر منه عن طريق الله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} 1. وذكر الله
1
النساء: 105.
أن السٌّنَّة مبيِّنة للكتاب: {بِالْبَيِّنَاتِ
وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 1, ولهذا قال رسول الله, صلى الله عليه
وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني السُّنة. وقال الشافعي, رضي الله
عنه: "كل ما حكم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو مما فهمه من القرآن"
وأمثلة هذا في القرآن كثيرة - جمعها صاحب "الإتقان" مرتبة مع السور في آخر فصل من
كتابه كتفسير "السبيل" بالزاد والراحة، وتفسير "الظلم" بالشرك، وتفسير "الحساب
اليسير" بالعرض.
5- فإذا لم يجد التفسير من السٌّنَّة رجع إلى أقوال
الصحابة فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال عند نزوله، ولما لهم من
الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح.
6- فإذا لم يجد التفسير
في القرآن ولا في السٌّنَّة ولا في أقوال الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك
إلى أقوال التابعين، كمجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء
بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، والربيع بن أنس،
وقتادة والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين، ومن التابعين من تلقى جميع التفسير
عن الصحابة، وربما تكلموا في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال، والمعتمد في ذلك كله
النقل الصحيح، ولهذا قال أحمد: "ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي، والملاحم،
والتفسير" يعني بهذا: التفسير الذي لا يعتمد على الروايات الصحيحة في النقل.
7-
العلم باللغة العربية وفروعها: فإن القرآن نزل بلسان عربي، ويتوقف فهمه على شرح
مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع، قال مجاهد: "لا يحل لأحد يؤمن بالله
واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالِمًا بلغات العرب" .
1
النحل: 44.
والمعاني تختلف باختلاف الإعراب، ومن هنا مست الحاجة إلى
اعتبار علم النحو. والتصريف الذي تُعرف به الأبنية، والكلمة المبهمة يتضح معناها
بمصادرها ومشتقاتها. وخواص تركيب الكلام من جهة إفادتها المعنى، ومن حيث اختلافها
بحسب وضوح الدلالة وخفائها. ثم من ناحية وجوه تحسين الكلام -وهي علوم البلاغة
الثلاثة: المعاني والبيان والبديع- من أعظم أركان المفسِّر. إذ لا بد له من
مراعاة ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يُدرك الإعجاز بهذه العلوم.
8- العلم
بأصول العلوم المتصلة بالقرآن، كعلم القراءات؛ لأن به يعرف كيفية النطق بالقرآن
ويترجح بعض وجوه الاحتمال على بعض، وعلم التوحيد، حتى لا يؤول آيات الكتاب التي
في حق الله وصفاته تأويلًا يتجاوز به الحق، وعلم الأصول، وأصول التفسير خاصة مع
التعمق في أبوابه التي لا يتضح المعنى ولا يستقيم المراد بدونها، كمعرفة أسباب
النزول، والناسخ والمنسوخ، ونحو ذلك.
9- دقة الفهم التي تمكن المفسر
من ترجيح معنى على آخر، أو استنباط معنى يتفق مع نصوص الشريعة.
آداب
المفسِّر:
1- حسن النية وصحة المقصد: فإنما الأعمال بالنيات، والعلوم
الشرعية أولى بأن يكون هدف صاحبها منها الخير العام، وإسداء المعروف لصالح
الإسلام، وأن يتطهر من أعراض الدنيا ليسدد الله خطاه، والانتفاع بالعلم ثمرة
الإخلاص فيه.
2- حسن الخُلُق: فالمفسِّر في موقف المؤدِّب، ولا تبلغ
الآداب مبلغها في النفس إلا إذا كان المؤدِّب مثالًا يُحتذى في الخُلُق والفضيلة،
والكلمة النابية قد تصرف الطالب عن الاستفادة مما يسمع أو يقرأ وتقطع عليه مجرى
تفكيره.
3- الامتثال والعمل: فإن العلم يجد قبولًا من العاملين أضعاف
ما يجد من سمو معارفه ودقة مباحثه - وحسن السيرة يجعل المفسِّر قدوة حسنة لما
يقرره من مسائل الدين، وكثيرًا ما يصد الناس عن تلقي العلم من بحر زاخر في
المعرفة لسوء سلوكه وعدم تطبيقه.
4- تحري الصدق والضبط في النقل: فلا
يتكلم أو يكتب إلا عن تثبت لما يرويه حتى يكون في مأمن من التصحيف واللَّحن.
5-
التواضع ولين الجانب: فالصلف العلمي حاجز حصين يحول بين العالِم والانتفاع
بعلمه.
6- عزة النفس: فمن حق العالِم أن يترفع عن سفاسف الأمور, ولا
يغشى أعتاب الجاه والسلطان كالسائل المتكفف.
7- الجهر بالحق: فأفضل
الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
8- حسن السمت: الذي يُكسب المفسِّر
هيبة ووقارًا في مظهره العام وجلوسه ووقوفه ومشيته دون تكلف.
9-
الأناة والروية: فلا يسرد الكلام سردًا بل يفصِّله ويُبِين عن مخارج حروفه.
10-
تقديم من هو أولى منه: فلا يتصدى للتفسير بحضرتهم وهم أحياء، ولا يغمطهم حقهم بعد
الممات، بل يرشد إلى الأخذ عنهم وقراءة كتبهم.
11- حسن الإعداد وطريقة
الأداء: كأن يبدأ بذكر سبب النزول - ثم معاني المفردات وشرح التراكيب وبيان وجوه
البلاغة والإعراب الذي يتوقف عليه تحديد المعنى، ثم يبين المعنى العام ويصله
بالحياة العامة التي يعيشها الناس في عصره، ثم يأتي إلى الاستنباط والأحكام.
أما
ذكر المناسبة والربط بين الآيات أولًا وآخرًا فذلك حسب ما يقتضيه النظم
والسياق.
نشأة التفسير وتطوره
مدخل
25- نشأة التفسير وتطوره: 1
جرت سُنة الله أن يرسل كل
رسول بلسان قومه. ليتم تخاطبه معهم: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا
بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} 2, وأن يكون الكتاب الذي أنزل عليه
بلسانه ولسانهم، وإذا كان لسان محمد -صلى الله عليه وسلم- عربيًّا فإن الكتاب
الذي أنزل عليه يكون بلسان عربي، وبذلك نطق محكم التنزيل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 3. {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ
الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 4.
فألفاظ القرآن
عربية، ووجوه المعاني في القرآن توافق وجوه المعاني عند العرب، وإذا كانت هناك
ألفاظ قليلة تختلف فيها أنظار العلماء، أهي من لغات أخرى وعربت، أم هي عربية بحتة
ولكنها مما تواردت عليها اللغات؟ فإن هذا لا يخرج القرآن عن أن يكون عربيًّا.
والذي
عليه المحققون أنها كلمات اتفقت فيها ألفاظ العرب مع ألفاظ غيرهم من بعض أجناس
الأمم. وهذا هو ما رجحه جهبذ المفسرين ابن جرير الطبري5. فقد أورد ما رُوِي في
ذلك كقوله تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} 6, قيل: الكِفلان:
ضعفان من الأجر بلسان الحبشة. وقوله: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} 7, قيل: بلسان
الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ. وقوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ}
8, قيل: سبحي بلسان الحبشة, وقوله: {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} 9, قيل: الأسد
بالحبشية. وقوله:
1 راجع هذا البحث بالتفصيل في كتاب "التفسير
والمفسرون" للأستاذ محمد حسين الذهبي.
2 إبراهيم: 4.
3
يوسف: 2.
4 الشعراء: 192-195.
5 "تفسير الطبري" جـ1
ص12.
6 الحديد: 28.
7 المزمل: 6.
8 سبأ: 10.
9
المدثر: 51.
{حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} 1, قيل فارسية أعربت - أورد
الطبري ما رُوِي في ذلك ثم بيَّن أن أحدًا لم يقل إن هذه الأحرف وما أشبهها لم
تكن للعرب كلامًا، وإنما قال بعضهم: حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، وحرف كذا
بلسان العجم معناه كذا، وقد ظهر أن بعض الألفاظ اتفقت فيها الألسن المختلفة،
كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس، فأي مرجح يجعل اللفظ من لغة بعينها ثم
نقل إلى اللغة الأخرى؟ فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من
الجنس ومدعي ذلك يدعي شيئًا بلا دليل.
1 هود: 82، والحجر 74.
التفسر
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
التفسير في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه:
تكفل الله تعالى لرسوله بحفظ القرآن وبيانه:
{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ
قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 1, فكان النبي -صلى الله عليه وسلم-
يفهم القرآن جملة وتفصيلًا. وكان عليه أن يبيِّنه لأصحابه: {وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ} 2.
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يفهمون القرآن كذلك؛
لأنه نزل بلغتهم. وإن كانوا لا يفهمون دقائقه، يقول ابن خلدون في مقدمته: "إن
القرآن نزل بلغة العرب - وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه، ويعلمون
معانيه في مفرداته وتراكيبه" ولكنهم مع هذا كانوا يتفاوتون في الفهم، فقد يغيب عن
واحد منهم ما لا يغيب عن الآخر.
أخرج أبو عبيد في الفضائل عن أنس: أن
عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} 3, فقال: هذه الفاكهة قد
عرفناها، فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر "4."
1
القيامة: 17-19.
2 النحل: 44.
3 عبس: 31.
4
"الإتقان" جـ2 ص113.
وأخرج أبو عبيد من طريق مجاهد عن ابن عباس قال:
كنت لا أدري ما: {فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} حتى أتاني أعرابيان
يتخاصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها "1."
ولذا
قال ابن قتيبة: "إن العرب لا تستوي في المعرفة بجميع ما في القرآن من الغريب
والمتشابه، بل إن بعضها يفضل في ذلك عن بعض" 2.
وكان الصحابة يعتمدون
في تفسيرهم للقرآن بهذا العصر على:
أولاً: القرآن الكريم: فما جاء
مُجملًا في موضع جاء مبينًا في موضع آخر, تأتي الآية مطلقة أو عامة، ثم ينزل ما
يقيدها أو يخصصها، وهذا هو الذي يسمى بتفسير القرآن بالقرآن ولهذا أمثلة كثيرة،
فقصص القرآن جاء موجزًا في بعض المواضع ومسهبًا في مواضع أخرى، وقوله تعالى:
{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 3,
فسره آية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 4، وقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصَارُ} 5, فسره آية: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 6.
ثانياً:
النبي, صلى الله عليه وسلم: فهو المبيِّن للقرآن, وكان الصحابة يرجعون إليه إذا
أشكل عليهم فهم آية من الآيات، عن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ
آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} 7, شق ذلك على الناس فقالوا:
يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: "إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال
العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إنما هو الشرك" 8.
كما
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبيِّن لهم ما يشاء عند الحاجة، عن عقبة بن عامر
قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو على المنبر: {وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} " ألا وإن القوة الرمي "9."
1
"الإتقان" جـ2 ص113.
2 "التفسير والمفسرون" جـ1 ص36.
3
المائدة: 1.
4 المائدة: 3.
5 الأنعام: 103.
6
القيامة: 23.
7 الأنعام: 82.
8 رواه أحمد والشيخان وغيرهم
- [والآية من سورة لقمان: 13] .
9 أخرجه مسلم وغيره - [والآية من سورة
الأنفال: 60] .
وعن أنس قال: قال رسول الله, صلى الله عليه وسلم:
"الكوثر نهر أعطانيه ربي في الجنة" 1.
وقد أفردت كتب السٌّنَّة بابًا
للتفسير بالمأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال الله تعالى: {وَمَا
أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا
فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2.
ومن القرآن ما لا
يُعلم تأويله إلا ببيان الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتفصيل وجوه أمره ونهيه،
ومقادير ما فرضه الله من أحكام، وهذا البيان هو المقصود بقوله, صلى الله عليه
وسلم: "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه" .
ثالثًا- الفهم والاجتهاد:
فكان الصحابة إذا لم يجدوا التفسير في كتاب الله تعالى، ولم يجدوا شيئًا في ذلك
عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اجتهدوا في الفهم، فإنهم من خُلَّص العرب،
يعرفون العربية، ويُحسنون فهمها، ويعرفون وجوه البلاغة فيها.
واشتهر
بالتفسير من الصحابة جماعة منهم: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس،
وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن
مالك، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة،
على تفاوت فيما بينهم قلة وكثرة، وهناك روايات منسوبة إلى هؤلاء وغيرهم في مواضع
متعددة من تفسير القرآن بالمأثور تتفاوت درجتها من حيث السند. صحة وضعفًا.
ولا
شك أن التفسير بالمأثور عن الصحابة له قيمته، وذهب جمهور العلماء إلى أن تفسير
الصحابي له حكم المرفوع إذا كان مما يرجع إلى أسباب النزول وكل ما ليس للرأي فيه
مجال. أما ما يكون للرأي فيه مجال فهو موقوف عليه ما دام لم يُسنِده إلى رسول
الله, صلى الله عليه وسلم.
1 أخرجه أحمد ومسلم.
2 النحل:
64.
والموقوف على الصحابي من التفسير يوجب بعض العلماء الأخذ به؛
لأنهم أهل اللسان، ولما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختُصوا بها، ولما لهم
من الفهم الصحيح. قال الزركشي في "البرهان" : "اعلم أن القرآن قسمان: قسم ورد
تفسيره بالنقل، وقسم لم يرد، والأول: إما أن يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
أو الصحابة، أو رءوس التابعين - فالأول يُبحث فيه عن صحة السند، والثاني يُنظر في
تفسير الصحابي، فإن فسَّره من حيث اللغة فَهُم أهل اللسان، فلا شك في اعتماده. أو
بما شاهدوه من الأسباب والقرائن فلا شك فيه" 1.
وقال الحافظ ابن كثير
في مقدمة تفسيره: "وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السٌّنَّة رجعنا
في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي
اختُصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح ولا سيما
علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المهتدين
المهديين، وعبد الله بن مسعود, رضي الله عنهم" 2.
ولم يدون شيء من
التفسير في هذا العصر؛ لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني، وكان التفسير
فرعًا من الحديث، ولم يتخذ شكلًا منظمًا بل كانت هذه التفسيرات تُرْوى منثورة
لآيات متفرقة. من غير ترتيب وتسلسل لآيات القرآن وسوره كما لا تشمل القرآن
كله.
1 "الإتقان" جـ2 ص183.
2 ابن كثير، جـ1 ص3.
التفسير
في عصر التابعين
كما اشتهر بعض أعلام الصحابة بالتفسير، اشتهر بعض
أعلام التابعين الذين أخذوا عنهم من تلاميذهم بالتفسير كذلك معتمدين في مصادره
على المصادر التي جاءت في العصر السابق بالإضافة إلى ما كان لهم من اجتهاد
ونظر.
قال الأستاذ محمد حسين الذهبي: "وقد اعتمد هؤلاء المفسرون في
فهمهم لكتاب الله تعالى على ما جاء في الكتاب نفسه، وعلى ما رووه عن الصحابة عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى ما رووه عن الصحابة من تفسيرهم أنفسهم. وعلى
ما أخذوه من أهل الكتاب مما جاء في كتبهم، وعلى ما يفتح الله به عليهم من طريق
الاجتهاد والنظر في كتاب الله تعالى."
وقد روت لنا كتب التفسير كثيرًا
من أقوال هؤلاء التابعين في التفسير قالوها بطريق الرأي والاجتهاد، ولم يصل إلى
علمهم شيء فيها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن أحد من الصحابة.
وقد
قلنا فيما سبق: إن ما نُقِل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة من
التفسيرلم يتناول جميع آيات القرآن، وإنما فسروا ما غمض فهمه على معاصريهم، ثم
تزايد هذا الغموض -على تدرج- كلما بَعُد الناس عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-
والصحابة، فاحتاج المشتغلون بالتفسير من التابعين إلى أن يكملوا بعض هذا النقص،
فزادوا في التفسير بمقدار ما زاد من غموض، ثم جاء مَن بعدهم فأتموا تفسير القرآن
تباعًا، معتمدين على ما عرفوه من لغة العرب ومناحيهم في القول، وعلى ما صح لديهم
من الأحداث التي حدثت في عصر نزول القرآن، وغير هذا من أدوات الفهم ووسائل
البحث1.
لقد اتسعت الفتوحات الإسلامية، وانتقل كثير من أعلام الصحابة
إلى الأمصار المفتوحة، ولدى كل واحد منهم علم. وعلى يد هؤلاء تلقى تلاميذهم من
التابعين علمهم، وأخذوا عنهم، ونشأت مدارس متعددة.
ففي مكة نشأت مدرسة
ابن عباس واشتهر من تلاميذه بمكة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة مولى ابن عباس،
وطاوس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح.
1 "التفسير والمفسرون"
جـ1 ص99، 100.
وهؤلاء جميعًا من الموالي، وهم يختلفون في الرواية عن
ابن عباس قلة وكثرة، كما اختلف العلماء في مقدار الثقة بهم والركون إليهم، والذي
ورد فيه شيء ذو بال هو عكرمة، فإن العلماء يختلفون في توثيقه وإن كانوا يشهدون له
بالعلم والفضل.
وفي المدينة اشتهر أُبَيُّ بن كعب بالتفسير أكثر من
غيره، وكثر ما نُقِل عنه في ذلك. واشتهر من تلاميذه من التابعين الذين أخذوا عنه
مباشرة أو بالواسطة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمد بن كعب القرظي.
وفي
العراق نشأت مدرسة ابن مسعود التي يعتبرها العلماء نواة مدرسة أهل الرأي: وعُرف
بالتفسير من أهل العراق كثير من التابعين. اشتهر منهم علقمة بن قيس، ومسروق,
والأسود بن يزيد، ومرة الهمذاني، وعامر الشعبي، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة
السدوسي.
هؤلاء هم مشاهير المفسرين من التابعين في الأمصار الإسلامية
الذين أخذ عنهم أتباع التابعين من بعدهم. وخلَّفوا لنا تراثًا علميًّا خالدًا.
واختلف
العلماء فيما أثر عن التابعين من تفسير إذا لم يؤثر في ذلك شيء عن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أو عن الصحابة، أيؤخذ بأقوالهم أم لا؟
فذهب جماعة إلى
أنه لا يؤخذ بتفسيرهم؛ لأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التي نزل عليها القرآن،
فيجوز عليهم الخطأ في فهم المراد.
وذهب أكثر المفسرين إلى أنه يؤخذ
بتفسيرهم؛ لأنهم تلقوه غالبًا عن الصحابة.
والذي يترجح أنه إذا أجمع
التابعون على رأي فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره.
قال
ابن تيمية: "قال شُعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين ليست حُجة، فكيف تكون
حُجة في التفسير؟ يعني أنها لا تكون حُجة على غيرهم ممن"
خالفهم. وهذا
صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حُجة، فإن اختلفوا فلا يكون
قول بعضهم حُجة على بعض ولا على مَن بعدهم، ويُرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو
السٌّنَّة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك "1."
وقد ظل
التفسير محتفظًا في هذا العصر بطابع التلقي والرواية، ولكن التابعين - بعد أن كثر
دخول أهل الكتاب في الإسلام، نقلوا عنهم في التفسير كثيرًا من الإسرائيليات،
كالذي يُروى عن عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد
العزيز بن جريج، كما بدأ الاختلاف فيما يُروى عنهم من تفسير لكثرة أقوالهم. ومع
هذا فإنها أقوال متقاربة أو مترادفة، فهو من باب اختلاف العبارة لا اختلاف
التباين والتضاد.
1 مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير ص28، 29،
والإتقان جـ2 ص179.
التفسير في عصور التدوين
بدأ التدوين
في أواخر عهد بني أمية، وأوائل عهد العباسيين، وحظي الحديث بالنصيب الأول في ذلك،
وشمل تدوين الحديث أبوابًا متنوعة، وكان التفسير بابًا من هذه الأبواب، فلم يُفرد
له تأليف خاص يفسِّر القرآن سورة سورة، وآية آية، من مبدئه إلى منتهاه.
واشتدت
عناية جماعة برواية التفسير المنسوب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى
الصحابة، أو إلى التابعين، مع عنايتهم بجمع الحديث. وفي مقدمة هؤلاء: يزيد بن
هارون السلمي المتوفى سنة 117 هجرية، وشُعبة بن الحجاج المتوفى سنة 160 هجرية،
ووكيع بن الجرح المتوفى سنة 197 هجرية، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة 198 هجرية،
وروح بن عبادة البصري المتوفى سنة 205 هجرية، وعبد الرزاق بن همام المتوفى سنة
211 هجرية، وآدم بن أبي إياس المتوفى سنة 220 هجرية، وعبد بن حميد المتوفى سنة
249 هجرية.
ولم يصل إلينا من تفاسيرهم شيء، وإنما رُوي ما نقل مسندًا
إليهم في كتب التفسير بالمأثور.
جاء بعد هؤلاء مَن أفرد التفسير
بالتأليف وجعله علمًا قائمًا بنفسه منفصلًا عن الحديث. ففسر القرآن حسب ترتيب
المصحف. وذلك كابن ماجه المتوفى سنة 273 هجرية، وابن جرير الطبري المتوفى سنة 310
هجرية، وأبو بكر بن المنذر النيسابوري المتوفى سنة 318 هجرية. وابن أبي حاتم
المتوفى سنة 327 هجرية، وأبو الشيخ بن حبان المتوفى سنة 369 هجرية، والحاكم
المتوفى سنة 405 هجرية، وأبو بكر بن مردويه المتوفى سنة 410 هجرية.
وتفاسير
هؤلاء مروية بالإسناد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى الصحابة
والتابعين، وأتباع التابعين مع الترجيح أحيانًا فيما يُروى من آراء، واستنباط بعض
الأحكام، والإعراب عند الحاجة، كما فعل ابن جرير الطبري.
ثم جاء على
أثر هؤلاء جماعة من المفسرين لم يتجاوزوا حدود التفسير بالمأثور، ولكنهم اختصروا
الأسانيد، وجمعوا شتات الأقوال دون أن ينسبوها إلى قائليها، وبهذا التبس الأمر،
ولم يتميز الصحيح من السقيم.
اتسعت العلوم، وتم تدوينها، وتشعبت
فروعها، وكثر الاختلاف، وأثيرت مسائل الكلام، وظهر التعصب المذهبي، واختلطت علوم
الفلسفة العقلية بالعلوم النقلية، وحرصت الفرق الإسلامية على دعم مذهبها فأصاب
التفسير من هذا الجو غباره، وأصبح المفسرون يعتمدون في تفسيرهم على الفهم
الشخصي،، ويتجهون اتجاهات متعددة، وتحكمت فيهم الاصطلاحات العلمية، والعقائد
المذهبية، والثقافة الفلسفية، واهتم كل واحد من المفسرين بحشوه بما برز فيه من
العلوم الأخرى، فصاحب العلوم العقلية يُعنى في تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة
كفخر الدين الرازي. وصاحب الفقه يُعنى بالفروع الفقهية كالجصاص والقرطبي، وصاحب
التاريخ يُعنى بالقصص والأخبار كالثعلبي والخازن، وصاحب البدعة يؤول كلام الله
على مذهبه الفاسد، كالرماني والجبائي،
والقاضي عبد الجبار والزمخشري
من المعتزلة وملا محسن الكاشي من الإمامية الاثنى عشرية. وصاحب التصوف يستخرج
المعاني الإشارية كابن عربي.
هذا مع علوم النحو والصرف والبلاغة،
وهكذا أصبحت كتب التفسير تحمل في طياتها الغث والثمين، والنافع والضار، والصالح
والفاسد. وحمَّل كل مفسر آيات القرآن ما لا تتحمله، انتصارًا لمذهبه، وردًّا على
خصومه، وفقد التفسير وظيفته الأساسية في الهداية والإرشاد ومعرفة أحكام الدين.
وبذلك
طغى التفسير بالرأي على التفسير بالأثر، وتدرج التفسير في العصور المتتابعة على
هذا النمط، بنقل المتأخر عن المتقدم، مع الاختصار تارة، والتعليق أخرى، حتى ظهرت
أنماط جديدة في التفسير المعاصر، حيث عُني بعض المفسرين بحاجات العصر، وتناولوا
في تفسيرهم الكشف عما تضمنه القرآن الكريم من أسس الحياة الاجتماعية، ومبادئ
التشريع، ونظريات العلوم، كتفسير الجواهر، وتفسير المنار، والظلال.
التفسير
الموضوعي
وبإزاء التفسير العام في عصور التدوين كان التفسير الموضوعي
للمباحث الخاصة يسير معه جنبًا لجنب، فألَّف ابن القيم كتابه: التبيان في أقسام
القرآن، وألَّف أبو عبيدة كتابًا عن مجاز القرآن، وألَّف الراغب الأصفهاني في
مفردات القرآن، وألَّف أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ، وألَّف أبو الحسن
الواحدي في أسباب النزول، وألَّف الجصاص في أحكام القرآن، وتتابعت الأبحاث
القرآنية في العصر الحديث ولا يخلو واحد منها من تفسير لبعض آيات القرآن لجانب من
الجوانب.
طبقات المفسرين
وعلى ضوء ما سبق نستطيع أن نقسم
طبقات المفسرين على النحو التالي:
1- المفسرون من الصحابة: واشتهر
منهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأُبَيُّ بن كعب، وزيد بن ثابت،
وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر، وعبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وأكثر من رُوِي عنه من
الخلفاء الأربعة علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نَزِرَة جدًّا، وكان السبب
في ذلك تقدم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر رضي الله عنه، فقد
رَوَى معمر عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال: "شهدت عليًّا يخطب وهو يقول:
سلوني، فوالله، لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من
آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل" .
وأما
ابن مسعود فرُوِي عنه أكثر مما رُوِي عن علي، وقد أخرج ابن جرير وغيره عنه أنه
قال: "والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين
نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته" وأما ابن
عباس فسنترجم له بعد إن شاء الله.
2- المفسرون من التابعين: قال ابن
تيمية: "أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد، وعطاء بن أبي
رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاوس وغيرهم - وفي الكوفة أصحاب ابن
مسعود - وفي المدينة زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبد الرحمن بن زيد، ومالك بن
أنس" ومن أصحاب ابن مسعود علقمة، والأسود بن يزيد، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومن
هذه الطبقة: الحسن البصري، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، ومحمد بن كعب القرظي،
وأبو العالية رفيع بن مهران
الرياحي، والضحاك بن مزاحم، وعطية بن سعيد
العوفي. وقتادة بن دعامة السدوسي، والربيع بن أنس، والسدي - فهؤلاء قدماء
المفسرين من التابعين، وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابة.
3- ثم بعد
هذه الطبقة: طبقة الذين صنف كثير منهم كتب التفاسير التي تجمع أقوال الصحابة
والتابعين، كسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون،
وعبد الرزاق، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد، وروح بن عبادة،
وأبي بكر بن أبي شيبة، وآخرين.
4- ثم بعد هؤلاء طبقات أخرى: منها علي
بن أبي طلحة، وابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وابن ماجه، والحاكم، وابن مردويه،
وأبو الشيخ بن حبان، وابن المنذر في آخرين، وكلها مسندة إلى الصحابة والتابعين
وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك إلا ابن جرير فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح
بعضها على بعض والإعراب والاستنباط، فهو يفوقها بذلك.
5- ثم انتصبت
طبقة بعدهم: صنفت تفاسير مشحونة بالفوائد اللغوية، ووجوه الإعراب، وما أثر في
القراءات بروايات محذوفة الأسانيد، وقد يضيف بعضهم شيئًا من رأيه، مثل أبي إسحاق
الزجاج، وأبي علي الفارسي، وأبي بكر النقاش، وأبي جعفر النحاس.
6- ثم
ألَّف في التفسير طائفة من المتأخرين، فاختصروا الأسانيد، ونقلوا الأقوال بتراء،
فدخل من هنا الدخيل، والتبس الصحيح بالعليل.
7- ثم صار كل مَن سنح له
قول يورده، ومَن خطر بباله شيء يعتمده، ثم ينقل ذلك عنه مَن يجيء بعده ظانًّا أن
له أصلًَا، غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح، ومن هم القدوة في هذا
الباب - قال السيوطي: رأيت في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
وَلا الضَّالِّينَ} 1, نحو عشرة
1 الفاتحة: 7.
أقوال، مع
أن الوارد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجميع الصحابة والتابعين ليس غير اليهود
والنصارى، حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم في ذلك اختلافًا من المفسِّرين.
8-
صنف بعد ذلك قوم برعوا في شيء من العلوم. منهم من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من
الفن، واقتصر فيه على ما تَمَهَّر هو فيه، كأن القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا
غير، مع أن فيه تبيان كل شيء.
فالنحوي نراه ليس له هم إلا الإعراب
وتكثير أوجهه المحتملة فيه، وإن كانت بعيدة وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه
وخلافياته كأبي حيان في البحر والنهر.
والإخباري همه القصص واستيفاؤه،
والإخبار عمن سلف سواء أكانت صحيحة أو باطله. ومنهم الثعالبي.
والفقيه
يكاد يسرد فيه الفقه جميعًا، وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا
تعلق لها بالآية أصلًا والجواب على أدلة المخالفين، كالقرطبي.
وصاحب
العلوم العقلية، خصوصًا الإمام فخر الدين الرازي، قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء
والفلاسفة، وخرج من شيء إلى شيء، حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد
للآية. قال أبو حيان في البحر: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا
حاجة بها في علم التفسير ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.
والمبتدع
ليس له قصد إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد بحيث أنه لو لاح له شاردة
من بعيد اقتنصها، أو وجد موضعًا له فيه أدنى مجال سَارَعَ إليه، كما نُقِل عن
البلقيني أنه قال: استخرجت من الكشاف اعتزالًا بالمناقيش، منها أنه قال في قوله
سبحانه وتعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ
فَازَ} 1، أي فوز أعظم من دخوله الجنة؟ أشار به إلى عدم الرؤية.
وهكذا
الشأن بالنسبة إلى الملحدين وغيرهم.
1 آل عمران: 185.
9-
ثم جاء عصر النهضة الحديثة:
فانتحى كثير من المفسرين منحًى جديدًا، في
العناية بطلاوة الأسلوب، وحسن العبارة، والاهتمام بالنواحي الاجتماعية، والأفكار
المعاصرة، والمذاهب الحديثة، فكان التفسير الأدبي الاجتماعي، ومن هؤلاء: محمد
عبده، والسيد محمد رشيد رضا، ومحمد مصطفى المراغي، وسيد قطب، ومحمد عزة دروزة.
وللحافظ
جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هجرية كتاب "طبقات المفسرين" ذكر في مقدمته
أنه سيتناول المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، والمفسرين من
المحَدِّثين، وأهل السٌّنَّة، والمفسرين من أهل الفرق كالمعتزلة والشيعة ونحوهم،
ولكنه لم يتم، وبلغ عدد التراجم فيه 136 ترجمة وهو مرتب على الحروف الهجائية
"1."
وصنف في طبقات المفسرين أيضًا الشيخ أبو سعيد صنع الله الكوزه
كناني المتوفى سنة 980 هجرية.
كما صنف فيها أحمد بن محمد الأدنه وي من
علماء القرن الحادي عشر.
وللحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد
الداودي المصري المتوفى سنة 945 هجرية كتابه المشهور "طبقات المفسرين" وهو أوفى
كتاب في موضوعه بالمكتبة الإسلامية، استقصى فيه الداودي تراجم أعلام المفسرين حتى
أوائل القرن العاشر للهجرة، قال فيه حاجي خليفة في كشف الظنون: "وهو أحسن ما صُنف
فيه" 2.
1 نشرته أخيرًا مكتبة وهبة بالقاهرة، بتحقيق علي محمد عمر.
2
قامت مكتبة وهبة بنشره في جزأين، بتحقيق علي محمد عمر.
التفسير
بالمأثور والتفسير بالرأي
التفسير بالمأثور: هو الذي يعتمد على صحيح
المنقول بالمراتب التي ذُكِرت سابقًا في شروط المفسر، من تفسير القرآن بالقرآن،
أو بالسٌّنَّة؛ لأنها جاءت مبيِّنة لكتاب الله، أو بما رُوِي عن الصحابة؛ لأنهم
أعلم الناس بكتاب الله، أو بما قاله كبار التابعين؛ لأنهم تلقوا ذلك غالبًا عن
الصحابة.
وهذا المسلك يتوخى الآثار الواردة في معنى الآية فيذكرها،
ولا يجتهد في بيان معنى من غير أصل، ويتوقف عما لا طائل تحته ولا فائدة في معرفته
ما لم يرد فيه نقل صحيح.
قال ابن تيمية: يجب أن يُعلم أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- بيَّن لأصحابه معاني القرآن، كما بيَّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى:
{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} 1, يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو
عبد الرحمن السلمي2: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن. كعثمان بن عفان، وعبد
الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر
آيات لم يتجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن
والعلم والعمل جميعًا، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، قال أنس: "كان الرجل
إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا" "رواه أحمد في مسنده" . وأقام ابن عمر على
حفظ البقرة ثماني سنين، أخرجه مالك في الموطأ، وذلك أن الله تعالى قال: {كِتَابٌ
أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} 3، وقال: {أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} 4, وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن، وأيضًا
فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابًا
1 النحل: 44.
2 هو عبد
الله بن حبيب التابعي المقرئ، المتوفى سنة 72 هجرية، وهو غير أبي عبد الرحمن
السلمي الصوفي المتوفى سنة 412 هجرية.
3 سورة ص: 29.
4
النساء: 82، محمد: 24.
في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه.
فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم، وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم
"1."
ومن التابعين من أخذ التفسير كله عن الصحابة، عن مجاهد قال:
"عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أستوقفه عند كل آية
وأسأله عنها" .
1 "الإتقان" جـ2 ص176.
الاختلاف فيه
والتفسير
بالمأثور يدور على رواية ما نُقِل عن صدر هذه الأمة، وكان الاختلاف بينهم قليلًا
جدًّا بالنسبة إلى من بعدهم، وأكثره لا يعدو أن يكون خلافًا في التعبير مع اتحاد
المعنى، أو يكون من تفسير العام ببعض أفراده على طريق التمثيل، قال ابن تيمية:
"والخلاف بين السلف في التفسير قليل، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى
اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وذلك نوعان:"
أحدهما: أن يعبِّر واحد
منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر
مع اتحاد المسمى، كتفسيرهم: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} قال بعضهم: القرآن أي
اتباعه، وقال بعضهم: الإسلام، فالقولان متفقان؛ لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن،
ولكن كل منهما نبَّه على وصف غير الوصف الآخر.
الثاني: أن يذكر كل
منهما من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع،
ومثاله: ما نُقِل في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ
اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ
مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} 2, قيل: السابق: الذي يصلي في أول
الوقت،
1 "الإتقان" جـ2 ص176.
2 فاطر: 32.
والمقتصد:
الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه: الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار - وقيل:
السابق: المحسن بالصدقة مع الزكاة، والمقتصد: الذي يؤدي الزكاة المفروضة فقط،
والظالم: مانع الزكاة "1."
وقد يكون الاختلاف لاحتمال اللفظ الأمرين،
كلفظ "عسعس" الذي يراد به إقبال الليل وإدباره، أو لأن الألفاظ التي عبر بها عن
المعاني متقاربة، كما إذا فسر بعضهم "تبسل" بتحبس، وبعضهم بترهن؛ لأن كلًا منهما
قريب من الآخر.
1 "الإتقان" جـ2 ص177.
تجنب
الإسرائيليات
وربما كان الاختلاف فيما لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى
معرفته مما وقع فيه بعض المفسرين في نقل إسرائيليات عن أهل الكتاب، كاختلافهم في
أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعددهم، وقد قال الله تعالى: {قُلْ رَبِّي
أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ
إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً} 1، واختلافهم في قدر سفينة نوح وخشبها، وفي اسم الغلام
الذي قتله الخضر، وفي أسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم، وفي نوع شجرة عصا
موسى، ونحو ذلك. فهذه الأمور طريق العلم بها النقل. فما كان منه منقولًا نقلًا
صحيحًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُبِلَ، وإلا توقفنا عنه، وإن كانت النفس
تسكن إلى ما نُقِلَ عن الصحابة؛ لأن نقلهم عن أهل الكتاب أقل من نقل
التابعين2.
1 الكهف: 22.
2 في الحديث: "إذا حدثكم أهل
الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" .
حكم التفسير بالمأثور
التفسير
بالمأثور هو الذي يجب اتباعه والأخذ به؛ لأنه طريق المعرفة الصحيحة. وهو آمن سبيل
للحفظ من الزلل والزيغ في كتاب الله. وقد رُوِي عن ابن عباس أنه قال: "التفسير
على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير"
لا يعذر أحد
بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله "."
فالذي
تعرفه العرب هو الذي يرجع فيه إلى لسانهم ببيان اللغة.
والذي لا يعذر
أحد بجهله: هو ما يتبادر فهم معناه إلى الأذهان من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام
ودلائل التوحيد ولا لبس فيها، فكل امرئ يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى:
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} 1, وإن لم يعلم أن هذه العبارة
وردت بطريق النفي والاستثناء فهي دالة على الحصر.
وأما ما لا يعلمه
إلا الله: فهو المغيبات، كحقيقة قيام الساعة، وحقيقة الروح.
وأما ما
يعلمه العلماء: فهو الذي يرجع إلى اجتهادهم المعتمد على الشواهد والدلائل دون
مجرد الرأي، من بيان مُجْمل، أو تخصيص عام، أو نحو ذلك.
وقد ذكر ابن
جرير الطبري نحو هذا. فقال: "فقد تبين ببيان الله جل ذكره: أن مما أنزل الله من
القرآن على نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما لا يوصل إلى علم تأويله إلا ببيان
الرسول -صلى الله عليه وسلم- وذلك تأويل جميع ما فيه: من وجوه أمره -واجبه وندبه
وإرشاده- وصنوف نهيه، ووظائف حقوقه وحدوده، ومبالغ فرائضه، ومقادير اللازم بعض
خلقه لبعض، وما أشبه ذلك من إحكام آية التي لم يُدرك علمها إلا ببيان رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- لأمته، وهذا وجه لا يجوز لأحد القول فيه إلا ببيان رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- له تأويله بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته
على تأويله."
وإن منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك
ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور،
ونزول عيسى ابن مريم، وما أشبه ذلك: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ
مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا
إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا
بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2.
1 محمد:
19.
2 الأعراف: 187.
وإن منه ما يعلم تأويله كل ذي علم
باللسان الذي نزل به القرآن، وذلك إقامة إعرابه، ومعرفة المسميات بأسمائها
اللازمة غير المشترك فيها، والموضوعات بصفاتها الخاصة دون ما سواها، فإن ذلك لا
يجهله أحد منهم، وذلك كسامع منهم لو سمع تاليًا يتلو: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ
هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} 1, لم يجهل أن معنى الإفساد هو ما
ينبغي تركه مما هو مضرة، وأن الاصلاح هو ما ينبغي فعله مما فعله منفعة، وإن جهل
المعاني التي جعلها الله إفسادًا، والمعاني التي جعلها الله إصلاحًا "2."
1
البقرة: 11، 12.
2 "تفسير الطبري" جـ1 ص74-75.
التفسير
بالرأي
التفسير بالرأي: هو ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على
فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد -وليس منه الفهم الذي يتفق مع روح الشريعة،
ويستند إلى نصوصها- فالرأي المجرد الذي لا شاهد له مدعاة للشطط في كتاب الله،
وأكثر الذين تناولوا التفسير بهذه الروح كانوا من أهل البدع الذين اعتقدوا مذاهب
باطلة وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على رأيهم وليس لهم سَلَف من الصحابة والتابعين
لا في رأيهم ولا في تفسيرهم، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم، كتفسير عبد
الرحمن بن كيسان الأصم، والجبائي، وعبد الجبار، والرماني، والزمخشري وأمثالهم.
ومن
هؤلاء من يكون حسن العبارة يدس مذهبه في كلام يروج على كثير من الناس كما صنع
صاحب الكشاف في اعتزالياته وإن كان بعضهم أخف من بعض، فمنهم طوائف من أهل الكلام
أوَّلت آيات الصفات بما يتفق مع مذهبها، وهؤلاء أقرب إلى أهل السٌّنَّة من
المعتزلة، إلا أنهم حين جاءوا بما يخالف مذهب الصحابة والتابعين فقد شاركوا
المعتزلة وغيرهم من أهل البدع.
حكم التفسير بالرأي
وتفسير
القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل حرام لا يجوز تعاطيه، قال تعالى: {وَلا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} 1، وقال, صلى الله عليه وسلم: "من قال في
القرآن برأيه -أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار" 2، وفي لفظ: "من قال في
القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" .
ولهذا تحرج السلف عن تفسير ما لا علم
لهم به، فقد رُوِي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أنه كان إذا سئل عن تفسير
آية من القرآن قال: "إنَّا لا نقول في القرآن شيئًا" 3.
وأخرج أبو
عبيد القاسم بن سلام: "أن أبا بكر الصديق, رضي الله عنه سئل عن الأب في قوله
تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} 4, فقال:" أي سماء تظلني؟ وأي أرض تقلني؟ إذا قلت
في كلام الله ما لا أعلم "5."
قال الطبري: "وهذه الأخبار شاهدة لنا
على صحة ما قلنا: من أن ما كان من تأويل آي القرآن الذي لا يُدْرَك علمه إلا بنص
بيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بنصبه الدلالة عليه، فغير جائز لأحد
القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك برأيه -وإن أصاب الحق فيه- فمخطئ فيما كان من
فعله، بقيله فيه برأيه؛ لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هي إصابة خارص
وظان، والقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لا يعلم، وقد حرم الله جل
ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ
تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6."
1 الإسراء: 36.
2
أخرجه الترمذي والنَّسائي وأبو داود، وقال الترمذي: هذا حسن.
3 رواه
مالك في الموطأ.
4 عبس: 31.
5 رواه ابن أبي شيبة
والطبري.
6 تفسير الطبري، جـ1 ص78، 79 - [والآية من سورة الأعراف: 33]
.
فهذه الآثار وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم من الكلام
في التفسير بما لا علم لهم به. أما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعًا فلا حرج
عليه ولهذا رُوِي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير -ولا منافاة- لأنهم تكلموا
فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل إنسان، ويكون الأمر أشد
نكيرًا لو ترك التفسير بالمأثور الصحيح وعدل عنه إلى القول برأيه، قال شيخ
الإسلام ابن تيمية: "وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى
ما يخالف ذلك كان مخطئًا، بل مبتدعًا؛ لأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما
أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله, صلى الله عليه وسلم" .
وقال
الطبري: "فأحق المفسرين بإصابة الحق في تأويل القرآن -الذي إلى علم تأويله للعباد
سبيل- أوضحهم حجة فيما تأوَّل وفسَّر, مما كان تأويله إلى رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- دون سائر أمته، من أخبار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه،
أما من جهة النقل المستفيض فيما وجد فيه من ذلك عنه النقل المستفيض، وإما من جهة
نقل العدول الأثبات، فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض، أو من جهة الدلالة
المنصوبة على صحته، وأصحهم برهانًا -فيما ترجم وبيَّن من ذلك - مما كان مدركًا
علمه من جهة اللسان، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم
المستفيضة المعروفة، كائنًا من كان ذلك المتأوِّل والمفسِّر، بعد أن لا يكون
خارجًا تأويله وتفسيره ما تأول وفسَّر من ذلك، عن أقوال السلف من الصحابة
والأئمة، والخَلَف من التابعين وعلماء الأمة" 1.
1 تفسير الطبري، جـ1
ص93.
الإسرائيليات
لليهودية ثقافتها الدينية التي تُستَمد
من التوراة. وللنصرانية ثقافتها الدينية التي تُستَمد من الإنجيل. وقد انضوى تحت
لواء الإسلام منذ ظهوره كثير من اليهود والنصارى، ولهؤلاء وأولئك ثقافتهم
الدينية.
وقد اشتمل القرآن على كثير مما جاء في التوراة والإنجيل ولا
سيما ما يتعلق بقصص الأنبياء وأخبار الأمم، ولكن القصص القرآني يجمل القول
مستهدفًا مواطن العبرة والعظة دون ذكر للتفاصيل الجزئية كتاريخ الوقائع، وأسماء
البلدان والأشخاص، أما التوراة فإنها تتعرض مع شروحها للتفاصيل والجزئيات، وكذلك
الإنجيل.
وحيث دخل أهل الكتاب في الإسلام فقد حملوا معهم ثقافتهم
الدينية من الأخبار والقصص الديني، وهؤلاء حين يقرءون قصص القرآن قد يتعرضون لذكر
التفصيلات الواردة في كتبهم، وكان الصحابة يتوقفون إزاء ما يسمعون من ذلك،
امتثالًا لقول رسول الله, صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا
تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" 1, وقد يدور حوار بينهم وبين أهل
الكتاب في شيء من تلك الجزئيات، ويقبل الصحابة بعض ذلك ما دام لا يتعلق بالعقيدة
ولا يتصل بالأحكام، ثم يتحدثون به، لما فهموه من الإباحة في قوله, صلى الله عليه
وسلم: "بلِّغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ
متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" 2. أي حدِّثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون
كذبه، أما ما جاء في الحديث الأول: "لا تُصدقوا أهل الكتاب ولا تُكذبوهم" فهو
محمول على ما إذا كان ما يخبرون به محتملًا؛ لأن يكون صدقًا، ولأن يكون كذبًا،
فلا تعارض بين الحديثين.
تلك الأخبار التي تحدث بها أهل الكتاب الذين
دخلوا في الإسلام هي التي يُطلق عليها الإسرائيليات من باب التغليب للجانب
اليهودي على الجانب النصراني، حيث كان النقل عن اليهود أكثر لشدة اختلاطهم
بالمسلمين منذ بدأ ظهور الإسلام. وكانت الهجرة إلى المدينة.
ولم يأخذ
الصحابة عن أهل الكتاب شيئًا في تفسير القرآن من الأخبار الجزئية سوى القليل
النادر. فلما جاء عهد التابعين وكثر الذين دخلوا في الإسلام من
1
أخرجه البخاري.
2 أخرجه البخاري.
أهل الكتاب كثر أخذ
التابعين عنهم، ثم عظم شغف من جاء بعدهم من المفسرين بالإسرائيليات، قال ابن
خلدون: "وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب
المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم،
ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود، ومن تبع دينهم من النصارى ...
فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم" 1.
ولم يكن المفسرون يتحرون صحة
النقل فيما يأخذونه من هذه الإسرائيليات، ومنها ما هو فاسد باطل، لذا كان على من
يقرأ في كتبهم أن يتجاوز عما لا طائل تحته، وألا ينقل منها إلا ما تدعو إليه
الضرورة وتتبين صحة نقله، ويظهر صدق خبره.
وأكثر ما يُرْوَى من هذه
الإسرائيليات إنما يُرْوى عن أربعة أشخاص: هم: عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار،
ووهب بن منبه، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد اختلفت أنظار العلماء في
الحكم عليهم والثقة بهم، ما بين مجرِّح وموثِّق، وأكثر الخلاف يدور حول كعب
الأحبار. وكان عبد الله بن سلام أكثرهم علمًا، وأعلاهم قدرًا. واعتمده البخاري
وغيره من أهل الحديث، ولم يُنسب إليه من التُّهم ما نُسِب إلى كعب الأحبار ووهب
بن منبه.
1 انظر "التفسير والمفسرون" جـ1 ص177.
تفسير
الصوفية
إذا أريد بالتصوف السلوك التعبدي المشروع الذي تصفو به النفس،
وترغب عن زينة الدنيا بالزهد والتقشف, والعبادة.. فذلك أمر لا غبار عليه إن لم
يكن مرغوبًا فيه. ولكن التصوف أصبح فلسفة نظرية خاصة لا صلة لها بالورع والتقوى
والتقشف، واشتملت فلسفته على أفكار تتنافى مع الإسلام وعقيدته. وهذا هو الذي
نعنيه هنا، وهو الذي كان له أثره في تفسير القرآن.
ويعتبر ابن عربي
زعيم التصوف الفلسفي النظري وهو يفسر الآيات القرآنية تفسيرًا يتفق مع نظرياته
الصوفية سواء أكان ذلك في التفسير المشهور باسمه، أو في الكتب التي تُنْسب إليه
كالفصوص، وهو من أصحاب نظرية وحدة الوجود.
فهو يفسر مثلًا قوله تعالى
في شأن إدريس عليه السلام: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّا} 1, بقوله: "وأعلى
الأمكنة المكان الذي يدور عليه رحى عالَم الأفلاك، وهو فَلَك الشمس، وفيه مقام
روحانية إدريس.. ثم يقول: وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين، كما قال
تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} 2, في هذا العلو وهو
يتعالى عن المكان لا عن المكانة" .
ويقول في تفسير قوله تعالى في سورة
النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} 3,: "اتقوا ربكم: اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما
بطن منكم -وهو ربكم- وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا وقاية في الذم،
واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالِمين" 4.
فهذا التفسير
ونظائره يحمل النصوص على غير ظاهرها، ويغرق في التأويلات الباطنية البعيدة، ويجر
إلى متاهات من الإلحاد والزيغ.
1 مريم: 57.
2 محمد: 35.
3
النساء: 1.
4 انظر "التفسير والمفسرون" جـ2 ص7، 8.
التفسير
الإشاري
ومن هؤلاء المتصوفة من يدَّعي أن الرياضة الروحية التي يأخذ
بها الصوفي نفسه تصل إلى درجة ينكشف له فيها ما وراء العبارات القرآنية من إشارات
قدسية، وتنهل على قلبه من سُحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف
السبحانية،
ويسمى هذا بالتفسير الإشاري، فللآية ظاهر وباطن، والظاهر: هو الذي ينساق إليه
الذهن قبل غيره، والباطن هو: ما وراء ذلك من إشارات خفية تظهر لأرباب السلوك،
وهذا التفسير الإشاري كذلك إذا أوغل في الإشارات الخفية صار ضربًا من التجهيل،
ولكنه إذا كان استنباطًا حسنًا يوافق مقتضى ظاهر العربية وكان له شاهد يشهد لصحته
من غير معارض، فإنه يكون مقبولًا.
ومن ذلك ما رُوِي عن ابن عباس -رضي
الله عنهما- أنه قال: "كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر: فكأن بعضهم وجد في نفسه
فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه مَن حيث علمتم، فدعاه
ذات يوم فأدخله معهم. فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في
قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1؟ فقال بعضهم: أُمْرِنا
أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي:
أكذلك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ، وذلك
علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ
تَوَّاباً} 2,فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول" 3.
قال ابن القيم:
"وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول: تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه
المتأخرون، وتفسير على المعنى: وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة: وهو
الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم، وهذا لا بأس به بأربعة شروط:"
1-
ألَّا يناقض معنى الآية.
2- وأن يكون معنًى صحيحًا في نفسه.
1
النصر: 1.
2 النصر: 3.
3 أخرجه البخاري.
3- وأن
يكون في اللفظ إشعار به.
4- وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط
وتلازم، فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطًا حسنًا "1."
1
من أهم كتب التفسير الإشاري "تفسير القرآن العظيم" للتستري - مطبوع، و "حقائق
التفسير" لأبي عبد الرحمن السلمي الصوفي - مخطوط، و "عرائس البيان في حقائق
القرآن" لأبي محمد الشيرازي - مطبوع، و "التأويلات النجمية" لنجم الدين داية
وعلاء الدين السمناني - مخطوط، والتفسير المنسوب إلى ابن عربي- مطبوع.
غرائب
التفسير
من الناس من له شغف بالإغراب في القول وإن حاد عن الجادة،
وركب مسلكًا وعرًا، فكلَّفوا أنفسهم من الأمر ما لا يطيقون، وأَعْمَلوا فِكْرهم
فيما لا يُعلم إلا بالتوقيف، فخرجوا وليس في يدهم سوى ما تُسفهه عقولهم من
الرعونة والغي، ولهذا عجائب في معاني آيات من القرآن نذكر من غرائبها:
1-
قول من قال في {الم} : معنى ألف: ألف الله محمدًا فبعثه نبيًّا- ومعنى لام: لامه
الجاحدون وأنكروه - ومعنى ميم: ميم الجاحدون المنكرون، من المُوم بالضم وهو
البرسام، علة يهذي المعلوم فيها.
قول من قال في {حم، عسق} 1: إن
الحاء: حرب عليٍّ ومعاوية - والميم: المروانية "نسبة إلى مروان من بني أمية" -
والعين: ولاية العباسية - والسين: ولاية السفيانية - والقاف: قدوة مهدي.
1
الشورى: 1، 2.
3- ما ذكره ابن فورك في تفسير قوله تعالى: {وَلَكِنْ
لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} 1, أن إبراهيم كان له صديق وصفه بأنه قلبه، أي ليسكن هذا
الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عيانًا.
4- قول أبي معاذ النحوي في
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً} 2, يعني
من إبراهيم نارًا، أي نورًا، هو محمد, صلى الله عليه وسلم {فَإِذَا أَنْتُمْ
مِنْهُ تُوقِدُونَ} تقتبسون الدين.
1 البقرة: 260.
2 يس:
80.
التعريفات بأشهر كتب التفسير
التعريف بأشهر كتب
التفسير:
تزخر المكتبة الإسلامية بكتب التفسير بالمأثور، وكتب التفسير
بالرأي، وكتب التفسير المعاصر. وبعض هذه الكتب أشهر من بعض في التداول بين أيدي
القراء.
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالمأثور
1-
التفسير المنسوب إلى ابن عباس.
2- تفسير ابن عيينة.
3-
تفسير ابن أبي حاتم.
4- تفسير أبي الشيخ ابن حبان.
5-
تفسير ابن عطية.
6- تفسير ابن الليث السمرقندي "بحر العلوم" .
7-
تفسير أبي إسحاق "الكشف والبيان عن تفسير القرآن" .
8- تفسير ابن جرير
الطبري "جامع البيان في تفسير القرآن" .
9- تفسير ابن أبي شيبة.
10-
تفسير البغوي "معالم التنزيل" .
11- تفسير أبي الفداء الحافظ ابن كثير
"تفسير القرآن العظيم" .
12- تفسير الثعالبي "الجواهر الحسان في تفسير
القرآن" .
13- تفسير جلال الدين السيوطي "الدر المنثور في التفسير
بالمأثور" .
14- تفسير الشوكاني "فتح القدير" .
وسنعرف
ببعض منها:
1- تفسير ابن عباس:
يُنسب إلى ابن عباس -رضي
الله عنه- جزء كبير في التفسير. طبع في مصر مرارًا باسم "تنوير المقباس من تفسير
ابن عباس" جمعه "أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشافعي" . صاحب القاموس
المحيط.
وابن عباس، كان بحق: "ترجمان القرآن" وكان عمر بن الخطاب يثق
بتفسيره ويجله، وقد أخذ في بعض المواضع عن أهل الكتاب فيما اتفق القرآن فيه مع
التوراة والإنجيل، وذلك في دائرة محدودة.
وقد اتهمه الأستاذ جولدزيهر
في كتاب "المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن" بالتوسع في الأخذ عن أهل الكتاب،
ونسج على منواله الأستاذ أحمد أمين في "فجر الإسلام" وتولى الرد عليهما الأستاذ
محمد حسين الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" 1, فابن عباس كغيره من الصحابة ما
كان يسأل علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام عن شيء يمس العقيدة، أو يتصل بأصول
الدين أو فروعه، إنما كان يقبل الصواب الذي لا يتطرق إليه الشك في بعض القصص
والأخبار الماضية.
1 انظر جـ1 ص72، 73.
ويمتاز ابن عباس
برجوعه في فهم معاني ألفاظ القرآن إلى الشعر العربي، لمعرفته بلغة العرب وإلمامه
بديوانها.
وتتعدد الروايات عن ابن عباس، وتتفاوت صحة وضعفًا، وقد تتبع
العلماء هذه الروايات وكشفوا عن مبلغها من الصحة. فمن أشهر طرق هذه الروايات:
1-
طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس - وهذه هي أجود الطرق عنه،
وفيها قال الإمام أحمد: "إن بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل
رجل فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا" 1, وقال الحافظ ابن حجر: "وهذه النسخة
كانت عند أبي صالح كاتب الليث - رواها عن معاوية بن صالح - عن علي بن أبي طلحة -
عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه فيما يعلقه
عن ابن عباس" .
2- طريق قيس بن مسلم الكوفي عن عطاء بن السائب، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس - وهذه الطريق صحيحة على شرط الشيخين.
3-
طريق ابن إسحاق صاحب السير، عن محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت، عن عكرمة
أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس - وهي طريق جيدة، وإسنادها حسن.
4- طريق
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، تارة عن أبي مالك، وتارة عن أبي صالح عن ابن
عباس، وإسماعيل السدي مُخْتَلف فيه، وهو تابعي شيعي، وقال السيوطي: "رَوَى عن
السدي الأئمة مثل الثوري وشعبة، لكن التفسير الذي جمعه رواه أسباط بن نصر، وأسباط
لم يتفقوا عليه، غير أن أمثل التفاسير" تفسير السدي "2."
5- طريق عبد
الملك بن جريج عن ابن عباس - وهذه الطريق تحتاج إلى دقة في البحث، فإن ابن جريج
رَوَى ما ذُكِرَ في كل آية من الصحيح والسقيم.
1 "الإتقان" جـ2
ص188.
2 انظر "الإتقان" جـ2 ص188.
6- طريق الضحاك بن مزاحم
الهلالي عن ابن عباس - وهي طريق غير مقبولة؛ لأن الضحاك مُخْتَلف في توثيقه،
وطريقه إلى ابن عباس منقطعة؛ لأنه لم يلقه. فإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن عمارة،
عن أبي روق، عن الضحاك، فضعيفة، لضعف بشر.
7- طريق عطية العوفي، عن
ابن عباس، وهي غير مقبولة؛ لأن عطية ضعيف وربما حسَّن له الترمذي.
8-
طريق مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني - ومقاتل ضعيف، يروي عن مجاهد وعن الضحاك
ولم يسمع منهما، وقد كذَّبه غير واحد، ولم يوثِّقه أحد، واشتهر عنه التجسيم
والتشبيه، وقال أحمد بن حنبل: "لا يعجبني أن أروي عن مقاتل بن سليمان شيئًا" .
9-
طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - وهذه أوهى الطرق، والكلبي
مشهور بالتفسير، وقد قيل فيه: أجمعوا على ترك حديثه، وليس بثقة، ولا يُكتب حديثه،
واتهمه جماعة بالوضع، ولذا قال السيوطي في الإتقان: "فإن انضم إلى ذلك -أي إلى
طريق الكلبي- رواية محمد بن مروان السدي الصغير عنه فهي سلسلة الكذب" .
ويتضح
من التفسير المنسوب إلى ابن عباس أن معظم ما رُوِي عن ابن عباس في هذا الكتاب -إن
لم يكن جميعه- يدور على محمد بن مروان السدي الصغير، عن محمد بن السائب الكلبي،
عن أبي صالح، عن ابن عباس، وقد عرفنا مبلغ رواية السدي الصغير عن الكلبي فيما
تقدم1.
1 انظر "الإتقان" جـ2 ص189.
2- جامع البيان في
تفسير القرآن- للطبري:
يعتبر ابن جرير الطبري من الأئمة الأعلام الذين
برعوا في علوم كثيرة، وتركوا تراثًا إسلاميًّا ضخمًا تناقلته العصور والأجيال،
وقد أحرز شهرة واسعة بكتابيه: في التاريخ: تاريخ الأمم والملوك، والتفسير: جامع
البيان في تفسير القرآن. وهما من أهم المراجع العلمية. بل إن كتابه في التفسير هو
المرجع الأول عند المفسرين الذين عنوا بالتفسير بالمأثور.
ويقع تفسير
ابن جرير في ثلاثين جزءًا من الحجم الكبير، وقد كان مفقودًا إلى عهد قريب، ثم
قدَّر الله له الظهور حين وُجِدت نسخة مخطوطة في حيازة "أمير حائل" الأمير حمود
بن الرشيد من أمراء نجد، طُبِع عليها الكتاب منذ زمن قريب، فأصبحت في يدنا معارف
غنية في التفسير بالمأثور.
وهو تفسير عظيم القيمة، لا غِنى لطالب
التفسير عنه، قال السيوطي: "وكتابه -يعني تفسير محمد بن جرير- أجلُّ التفاسير
وأعظمها، فإنه يتعرض لتوجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، والإعراب، والاستنباط
فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين" وقال النووي: "أجمعت الأمة على أنه لم
يُصنَّف مثل تفسير الطبري" 1.
وتفسير الطبري أقدم كتاب وصل إلينا
كاملًا في التفسير. فإن المحاولات التفسيرية قبله لم يصل إلينا شيء منها، اللهم
إلا ما وصل إلينا منها في ثنايا ذلك الكتاب.
وطريقة ابن جرير في
تفسيره أنه إذا أراد أن يفسر الآية من القرآن يقول: "القول في تأويل قوله تعالى
كذا وكذا" ثم يفسر الآية مستشهدًا بما يرويه بسنده إلى الصحابة أو التابعين من
التفسير بالمأثور عنهم، ويعرض لكل ما رُوِي في الآية، ولا يقتصر على مجرد
الرواية، بل يوجه الأقوال ويرجح بعضها على بعض، كما يتعرض لناحية الإعراب إن دعت
الحال إلى ذلك، ويستنبط بعض الأحكام.
1 انظر "الإتقان" جـ2 ص190.
وقد
يقف من السند موقف الناقد البصير أحيانًا، فيعدِّل من رجال الإسناد، ويجرِّح مَن
يجرِّح منهم، ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها.
ويعتني ابن جرير بذكر
القراءات وتوجيهها، ويقال: إنه ألَّف فيها مؤلَّفًا خاصًّا.
ومع
روايته الأخبار المأخوذة من القصص الإسرائيلي فإنه كثيرًا ما يتعقبها بالبحث.
ويعتمد
ابن جرير على الاستعمالات اللغوية بجانب الروايات المنقولة، ويستشهد بالشعر
القديم، ويهتم بالمذاهب النحوية، ويحتكم إلى المعروف من لغة العرب، ويعالج
الأحكام الفقهية مجتهدًا، فيذكر أقوال العلماء ومذاهبهم، ويخلص من ذلك برأي
يختاره لنفسه ويرجحه.
ويناقش مسائل العقيدة مناقشة فاحصة، يرد فيها
على الفرق ومذاهب أهل الكلام، وينتصر لأهل السٌّنَّة والجماعة.
وقد
طبعت دار المعارف بمصر كتابه، في إخراج حسن، وخرَّج أحاديثه الأستاذ أحمد محمد
شاكر, ولكن هذه الطبعة لم تتم، مع عظيم نفعها، والعناية بتحقيقها.
3-
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - لابن عطية:
ابن عطية من قضاة
الأندلس المشهورين، نشأ في بيت علم وفضل، وكان فقيهًا جليلًا، عارفًا بعلوم
الحديث والتفسير واللغة والأدب، ذكي الفؤاد، حسن الفهم، من أعيان مذهب المالكية.
وكتابه في التفسير يسمى "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" .
وقد
لخص فيه ابن عطية ما رُوِيَ من التفسير بالمنقول وأضفى عليه من روحه العلمية
الفياضة ما أكسبه دقة ورواجًا، والكتاب يقع في عشر مجلدات كبار وكان مخطوطًا إلى
عهد قريب ثم طُبِع في المغرب سنة 1975 بتحقيق "المجلس العلمي بفاس-مديرية الشئون
الإسلامية- المملكة المغربية" والكتاب له
شهرته، وينقل عنه كثير من
المفسرين. وهو كثير الاهتمام بالشواهد الأدبية، والصناعة النحوية. ويقارن أبو
حيان في مقدمة تفسيره بينه وبين تفسير الزمخشري فيقول: "وكتاب ابن عطية أنقل،
وأجمع، وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص" .
ويعقد ابن تيمية مقارنة
بين الكتابين كذلك فيقول: "وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلًا
وبحثًا، وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح
هذه التفاسير" .
ويقول ابن تيمية كذلك: "وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع
للسُّنة والجماعة، وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف
الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل. فإنه كثيرًا ما
ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري -وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرًا- ثم إنه
يدع ما نقله ابن جرير عن السلف لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين،
وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به
المعتزلة أصولهم، وإن كان أقرب إلى السٌّنَّة من المعتزلة" 1.
4-
تفسير القرآن العظيم - لابن كثير:
كان عماد الدين أبو الفداء إسماعيل
بن عمرو بن كثير إمامًا جليلًا حافظًا. أخذ عن ابن تيمية، واتبعه في كثير من
آرائه. وشهد له العلماء بغزارة علمه في التفسير والحديث والتاريخ، وكتابه في
التاريخ "البداية والنهاية" مرجع أصيل للتاريخ الإسلامي. وكتابه في التفسير
"تفسير القرآن العظيم" من أشهر ما دُوِّن في التفسير بالمأثور، ويأتي في المرتبة
الثانية بعد كتاب ابن جرير، فهو يفسِّر كلام الله بالأحاديث والآثار مسندة إلى
أصحابها، مع الكلام عما
1 مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير ص23.
يحتاج
إليه جرحًا وتعديلًا، وترجيح بعض الأقوال على بعض، وتضعيف بعض الروايات وتصحيح
بعضها الآخر.
ويمتاز ابن كثير بأنه ينبه في كثير من الأحيان إلى ما في
التفسير بالمأثور من منكرات الإسرائيليات، كما يذكر أقوال العلماء في الأحكام
الفقهية، ويناقش مذاهبهم وأدلتهم أحيانًا.
وتفسير ابن كثير طُبِع مع
"معالم التنزيل" للبغوي، وطُبِع مستقلًا في أربعة أجزاء كبار، وقام الشيخ أحمد
محمد شاكر بطبعه قبيل وفاته بعد أن جرَّده من الأسانيد.
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالرأي
مدخل
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالرأي
1- تفسير عبد الرحمن
بن كيسان الأصم.
2- تفسير أبي علي الجبائي.
3- تفسير عبد
الجبار.
4- تفسير الزمخشري "الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، وعيون
الأقاويل، في وجوه التأويل" .
5- تفسير فخر الدين الرازي "مفاتيح
الغيب" .
6 - تفسير ابن فورك.
7- تفسير النسفي "مدارك
التنزيل وحقائق التأويل" .
8- تفسير الخازن "لباب التأويل في معاني
التنزيل" .
9- تفسير أبي حيان "البحر المحيط" .
10- تفسير
البيضاوي "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" .
11- تفسير الجلالين: جلال
الدين المحلي، وجلال الدين السيوطي.
أما جلال الدين المحلي، فقد ابتدأ
تفسيره من أول سورة الكهف إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ بتفسير الفاتحة، وبعد أن
أتمها اختارته المنية فلم يفسِّر ما بعدها.
وأما جلال الدين السيوطي،
فقد جاء بعد الجلال المحلي فكمَّل تفسيره، فابتدأ بتفسير سورة البقرة وانتهى عند
آخر سورة الإسراء، ووضع تفسير الفاتحة في آخر تفسير الجلال المحلي لتكون ملحقة
به.
وكثيرًا ما يخطئ بعض الناس في هذا التقسيم.
12- تفسير
القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" .
13- تفسير أبي السعود "إرشاد العقل
السليم إلى مزايا الكتاب الكريم" .
14- تفسير الآلوسي "روح المعاني في
تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني" .
وسنعرف ببعض منها:
1-
مفاتيح الغيب - للرازي:
فخر الدين الرازي من العلماء المتبحرين الذين
نبغوا في العلوم النقلية والعلوم العقلية، واكتسب شهرة عظيمة طوفت به في الآفاق،
وله مصنفات كثيرة، ومن أهم مصنفاته تفسيره الكبير، المسمى بـ "مفاتيح الغيب" .
ويقع
هذا التفسير في ثماني مجلدات كبار، وتدل الأقوال على أن الفخر الرازي لم يتمه.
وتتضارب الآراء في الموضع الذي انتهى إليه في تفسيره، وفيمن أتمه بعده. ويعلِّق
على هذا الشيخ محمد الذهبي فيقول: "والذي أستطيع أن أقوله كحَلٍّ لهذا الاضطراب،
هو أن الإمام فخر الدين كتب تفسيره هذا إلى سورة الأنبياء، فأتى بعده شهاب الدين
الخوبي فشرع في تكملة هذا التفسير ولكنه لم يتمه، فأتى بعده نجم الدين القمولي
فأكمل ما بقي منه، كما"
يجوز أن يكون الخوبي أكمله إلى النهاية،
والقمولي كتب تكملة أخرى غير التي كتبها الخوبي، وهذا هو الظاهر من عبارة صاحب
كشف الظنون "1."
والقارئ لهذا التفسير لا يجد تفاوتًا في المنهج
والمسلك، ولا يستطيع أن يميِّز بين الأصل والتكملة.
ويهتم الفخر
الرازي ببيان المناسبات بين آيات القرآن وسوره، ويُكْثِر من الاستطراد إلى العلوم
الرياضية والطبيعية والفلكية والفلسفية ومباحث الإلهيات على نمط استدلالات
الفلاسفة العقلية، ويذكر مذاهب الفقهاء، ومعظم ذلك لا حاجة إليه في علم
التفسير.
فكتابه موسوعة علمية في علم الكلام، وفي علوم الكون
والطبيعة، وبهذا فَقَدَ أهميته كتفسير للقرآن الكريم.
2- البحر المحيط
- لأبي حيان:
كان أبو حيان الأندلسي الغرناطي على جانب كبير من
المعرفة باللغة، وكان على علم واسع في التفسير، والحديث، وتراجم الرجال، ومعرفة
طبقاتهم، خصوصًا المغاربة، وله مؤلفات كثيرة، أهمها تفسيره "البحر المحيط" .
ويقع
هذا التفسير في ثماني مجلدات كبار، وهو مطبوع متداول، ويهتم أبو حيان فيه بذكر
وجوه الإعراب، ومسائل النحو، ويتوسع في هذا فيذكر الخلاف بين النحويين، ويناقش
ويجادل، حتى أصبح الكتاب أقرب ما يكون إلى كتب النحو منه إلى كتب التفسير.
وينقل
أبو حيان في تفسيره كثيرًا من تفسير الزمخشري وتفسير ابن عطية. ولا سيما ما يتعلق
بمسائل النحو ووجوه الإعراب، ويتعقبها كثيرًا بالرد،
1 "التفسير
والمفسرون" جـ1 ص293.
ويحمل على الزمخشري أحيانًا حملات قاسية، وإن
كان يشيد بما له من مهارة فائقة في تجلية بلاغة القرآن وقوة بيانه.
ولا
يرضى أبو حيان عن اعتزاليات الزمخشري فينقدها ويردها بأسلوب ساخر، ويعتمد في أكثر
نقوله على كتاب "التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير" وهو لشيخه: جمال الدين
أبي عبد الله محمد بن سليمان المقدسي المعروف بابن النقيب، ويذكر أبو حيان عنه
أنه أكبر كِتاب صُنِّف في علم التفسير، يبلغ في العدد مائة سِفْر أو يكاد.
3-
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري:
كان
الزمخشري عالِمًا عبقريًّا فذًّا في النحو واللغة والأدب والتفسير، وآراؤه في
العربية يستشهد علماء اللغة بها لأصالتها ودقتها.
والزمخشري معتزلي
الاعتقاد، حنفي المذهب، ألَّف كتاب "الكشاف" بما يدعم عقيدته ومذهبه.
واعتزاليات
الزمخشري في تفسيره أمارة على حذقه ودهائه ومهارته، فهو يأتي بالإشارات البعيدة
ليضمنها معنى الآية في الانتصار للمعتزلة والرد على خصومهم. ولكنه في الجانب
اللغوي كشف عن جمال القرآن وسحر بلاغته لما له من إحاطة بعلوم البلاغة والبيان
والأدب والنحو والتصريف، فكان مرجعًا لُغويًّا غنيًّا، وهو يشير في مقدمته إلى
هذا فيذكر أن مَن يتصدى للتفسير لا يغوص على شيء من حقائقه، إلا رجل قد برع في
علمين مختصين بالقرآن، وهما "علم المعاني" ، و "علم البيان" . وتمهل في ارتيادهما
آونة، وتعب في التنقيب
عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانها همة في
معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله، بعد أن يكون آخذًا من
سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات،
قد رجع زمانًا ورجع إليه. ورد عليه، فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في حملة
الكتاب. وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مستقل القريحة وقَّادها "."
ويحلل
ابن خلدون كتاب الكشاف للزمخشري في قوله عند الحديث عما يرجع إليه التفسير من
معرفة اللغة والإعراب والبلاغة: "ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسير،
كتاب الكشاف للزمخشري، من أهل خوارزم العراق، إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في
العقائد، فيأتي بالحِجاج على مذاهبهم الفاسدة، حيث تعرض له في آي القرآن من طريق
البلاغة، فصار بذلك للمحققين من أهل السٌّنَّة انحراف عنه، وتحذير للجمهور من
مكامنه، مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة، وإذا كان الناظر فيه
واقفًا مع ذلك على المذاهب السُّنية، محسنًا للحِجاج عنها، فلا جَرَمَ أنه مأمون
من غوائله، فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان، ولقد وصل إلينا في هذه
العصور تأليف لبعض العراقيين، وهو شرف الدين الطيبي من أهل توريز من عراق العجم،
شرح فيه كتاب الزمخشري هذا، وتتبع ألفاظه، وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة
تزيفها، وتبيِّن أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السٌّنَّة، لا على
ما يراه المعتزلة، فأحسن في ذلك ما شاء، مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة، وفوق كل
ذي علم عليم" 1.
1 مقدمة ابن خلدون، ص491.
أشهر كتب
التفسير في العصر الحديث
لقد أعطى المفسرون الأوائل كتب التفسير حظها
من المنقول والمعقول، وتوافروا على المباحث اللغوية، والبلاغية، والنحوية،
والفقهية والمذهبية والكونية الفلسفية ثم فترت الهمم، وجاء مَن بعدهم مختصرًا
وناقلًا، أو مفندًا ومرجحًا.
فلما جاءت النهضة العلمية في العصر
الحديث شملت فيما شملته "التفسير" وإليك أمثلة منه:
1- الجواهر في
تفسير القرآن، للشيخ طنطاوي جوهري:
كان الشيخ طنطاوي جوهري مغرمًا
بالعجائب الكونية، وكان مدرسًا بمدرسة دار العلوم في مصر، يفسِّر بعض آيات القرآن
على طلبتها، كما كان يكتب في بعض الصحف، ثم خرج بمؤلفه في التفسير "الجواهر في
تفسير القرآن" .
وقد عُني في هذا التفسير عناية فائقة، بالعلوم
الكونية، وعجائب الخَلْقِ، ويقرر في تفسيره أن في القرآن من آيات العلوم ما يربو
على سبعمائة وخمسين آية، ويهيب بالمسلمين أن يتأملوا في آيات القرآن التي تُرْشد
إلى علوم الكون، ويحثهم على العمل بما فيها، ويفضلها على غيرها في الوقت الحاضر،
حتى على فرائض الدين، فيقول: "يا ليت شعري: لماذا لا نعمل في آيات العلوم الكونية
ما فعله آباؤنا في آيات الميراث؟ ولكني أقول: الحمد لله. الحمد لله! إنك تقرأ في
هذا التفسير خلاصات من العلوم، ودراستها أفضل من دراسة عِلم الفرائض؛ لأنه فرض
كفاية، فأما هذه فإنها للازدياد في معرفة الله، وهي فرض عين على كل قادر" ويأخذ
الغرور منه مأخذه، فينحى باللائمة على المفسرين السابقين، ويقول: "إن هذه العلوم
التي أدخلناها في تفسير القرآن هي التي أغفلها الجهلاء المغرورون من صغار الفقهاء
في الإسلام، فهذا زمان الانقلاب، وظهور الحقائق، والله يهدي مَن يشاء إلى صراط
مستقيم" .
والمؤلف يخلط في كتابه خلطًا، فيضع في تفسيره صور النبات
والحيوانات ومناظر الطبيعة، وتجارب العلوم كتاب مدرسي في العلوم، ويشرح بعض
الحقائق الدينية بما جاء عن أفلاطون في جمهوريته، وعن إخوان الصفا في رسائلهم،
ويستخدم الرياضيات، ويفسر الآيات تفسيرًا يقوم على نظريات علمية حديثة.
وقد
أساء الشيخ طنطاوي جوهري في نظرنا بهذا إلى التفسير إساءة بالغة من حيث يظن أنه
يُحسن صنعًا ولم يجد تفسيره قبولًا لدى كثير من المثقفين. لما فيه من تعسف في حمل
الآيات على غير معناها، ولذا وُصِف هذا التفسير بما وُصِفَ به تفسير الفخر
الرازي، فقيل عنه: "فيه كل شيء إلا التفسير" .
2- تفسير المنار -
للسيد محمد رشيد رضا:
لقد قام الشيخ محمد عبده بنهضة علمية مباركة،
آتت ثمارها في تلاميذه، وترتكز هذه النهضة على الوعي الإسلامي، وإدراك مفاهيم
الإسلام الاجتماعية، وعلاج هذا الدين لمشاكل الحياة المعاصرة، وبدأت نواة ذلك في
حركة جمال الدين الأفغاني، الذي تتلمذ عليه الشيخ محمد عبده، وكان الشيخ محمد
عبده يلقي دروسًا في التفسير بالجامع الأزهر، ولازمه كثير من طلابه ومريديه، وكان
الشيخ رشيد ألزم الناس لهذه الدروس، وأحرصهم على تلقيها وضبطها، فكان بحقٍّ
الوارث الأول لعلم الشيخ محمد عبده. فظهرت ثمرة ذلك في تفسيره المسمى بـ "تفسير
القرآن الحكيم" ، والمشهور بـ "تفسير المنار" . نسبة إلى مجلة "المنار" التي كان
يصدرها.
وقد بدأ تفسيره من أول القرآن، وانتهى عند قوله تعالى: {رَبِّ
قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ
فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} 1, ثم عاجلته المنية قبل أن
يتم تفسير القرآن، وهذا القدر من التفسير مطبوع في اثني عشر مجلدًا كبارًا.
1
يوسف: 101.
وهو تفسير غني بالمأثور عن سالف هذه الأمة من الصحابة
التابعين، وبأساليب اللغة العربية، وبسُنَن الله الاجتماعية، يشرح الآيات بأسلوب
رائع، ويكشف عن المعاني بعبارة سهلة، ويوضح كثيرًا من المشكلات، ويرد على ما
أُثِير حول الإسلام من شبهات خصومه، ويعالج أمراض المجتمع بهَدْي القرآن, ويصرح
الشيخ رشيد بأن هدفه من هذا التفسير هو: "فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس
إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا وحياتهم الآخرة" .
4- التفسير
البياني للقرآن الكريم، لعائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" :
من نسائنا
المعاصرات اللاتي أسهمن بنصيبهن في الأدب العربي والفكر الاجتماعي - الدكتورة
عائشة عبد الرحمن، المشهورة بـ "بنت الشاطئ" .
وقد تولت التدريس في
كلية الآداب بالقاهرة، وفي كلية التربية للبنات. وتناولت في تدريسها تفسير بعض
سور القرآن القصار. وطبعت ذلك في "التفسير البياني للقرآن" .
وبنت
الشاطئ تهتم في تفسيرها بالبيان العربي وتذكر في المقدمة أنها اهتدت إلى هذه
الطريقة لمعالجة مشكلاتنا في حياتنا الأدبية واللغوية، وأنها بحثت ذلك في عدة
مؤتمرات دولية، ففي مؤتمر المستشرقين الدولي في الهند سنة 1964 - كان موضوع البحث
الذي شاركت به في شُعبة الدراسات الإسلامية، هو "مشكلة الترادف اللغوي، في ضوء
التفسير البياني للقرآن الكريم" تقول: "وفيه بيَّنت كيف شهد التتبع الدقيق لمعجم
ألفاظ القرآن - واستقراء دلالاتها في سياقها، بأن القرآن يستعمل اللفظ بدلالة
محدودة، لا يمكن معها أن يقوم لفظ مقام آخر، في المعنى الواحد الذي تحشد له
المعاجم اللغوية وكتب التفسير، عددًا قَلَّ أو كثر من الألفاظ المقول بترادفها"
.
وتعيب بنت الشاطئ على الانشغال في دروس الأدب بالمعلقات والنقائض
والمفضليات ومشهور الخمريات والحماسيات عن الاتجاه إلى القرآن الكريم، ثم تقول:
"ونحن في الجامعة نترك هذا الكنز الغالي لدرس التفسير، وقَلَّ فينا مَن حاول أن
ينقله إلى مجال الدراسة الأدبية الخالصة التي قصرناها على دواوين الشعر، ونثر
أمراء البيان" .
والتفسير البياني محاولة لا بأس بها لتحقيق الأغراض
التي تهدف إليها بنت الشاطئ، وهي تعتمد في ذلك على كتب التفسير التي لها عناية
بوجوه البلاغة القرآنية، وتُعبِّر تعبيرًا أدبيًّا راقيًا1.
1 من
محاذير هذا النهج في التفسير أنه يَغفل جوانب القرآن المتعددة من أسرار الإعجاز
في معانيه وتشريعاته، وأحكامه ومبادئه للحياة الإنسانية الفاضلة. ويتخذ من النص
القرآني مادة للدراسة الأدبية كالنص الشعري أو النثري، ودراسة النصوص الأدبية
تعتمد على الذوق اللغوي الذي يتفاوت من شخص لآخر بتفاوت ثقافته.
تفسير الفقهاء
مدخل
تفسير الفقهاء
كان الصحابة في عهد رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يفهمون القرآن بسليقتهم العربية، وإن التبس عليهم فهم آية رجعوا
إلى رسول الله فيبينها لهم.
ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- وتولى
فقهاء الصحابة توجيه الأمة بقيادة الخلفاء الراشدين. وُجِدت قضايا لم تسبق لهم
كان القرآن ملاذًا لهم لاستنباط الأحكام الشرعية للقضايا الجديدة. فيجمعون على
رأي فيها، وقلَّما يختلفون عند التعارض، كاختلافهم في عِدَّة الحامل المتوفى عنها
زوجها. أهي وَضْع الحمل، أم مُضِي أربعة أشهر وعشرٍ، أم أبعد الأجلين منهما؟ حيث
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 1، وقال:
{وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2, فكانت هذه
الأحوال على قلتها بداية الخلاف الفقهي في فهم آيات الأحكام.
فلما كان
عهد الأئمة الفقهاء الأربعة، واتخذ كل إمام أصولًا لاستنباط الأحكام في مذهبه.
وكثرت الأحداث وتشعبت المسائل ازدادت وجوه الاختلاف في فهم بعض الآيات لتفاوت
وجوه الدلالة فيها دون تعصب لمذهب بل استمساكًا بما يرى الفقيه أنه الحق، ولا يجد
غضاضة إذا عرف الحق لدى غيره أن يرجع إليه.
ظلَّ الأمر هكذا حتى جاء
عصر التقليد والتعصب المذهبي، فقَصَر أتباع الأئمة جهودهم على توضيح مذهبهم
والانتصار له، ولو كان ذلك بحمل الآيات القرآنية على المعاني المرجوحة البعيدة،
ونشأ من هذا تفسير فقهي خاص لآيات الأحكام في القرآن، يشتد التعصب المذهبي فيه
أحيانًا، ويخف أخرى.
وتتابع هذا المنهج إلى العصر الحديث، وهذا هو ما
نسميه بالتفسير الفقهي، ومن أشهر كتبه:
1 البقرة: 234.
2
الطلاق: 4.
1- أحكام القرآن للجصاص - مطبوع.
2- أحكام
القرآن للكيا الهراس - مطبوع.
3- أحكام القرآن لابن العربي -
مطبوع.
4- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - مطبوع.
5-
الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي - مخطوط.
6- التفسيرات الأحمدية
في بيان الآيات الشرعية لملا جيون - مطبوع بالهند.
7- تفسير آيات
الأحكام للشيخ محمد السايس - مطبوع.
8- تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع
القطان - مطبوع.
9- أضواء البيان للشيخ محمد الشنقيطي - مطبوع.
وسنعرِّف
ببعض منها:
1- أحكام القرآن - للجصاص:
أبو بكر أحمد بن علي
الرازي المشهور بالجصاص -نسبة إلى العمل بالجص- من أئمة الفقه الحنفي في القرن
الرابع الهجري. ويعتبر كتابه "أحكام القرآن" من أهم كتب التفسير الفقهي، ولا سيما
عند الأحناف.
وقد اقتصر المؤلف في هذا الكتاب على تفسير الآيات التي
تتعلق بالأحكام الفرعية، فيورد الآية أو الآيات، ثم يتولى شرحها بشيء من المأثور
في معناها، ويستطرد في ذكر المسائل الفقهية التي تتصل بها من قريب أو بعيد، ويسوق
الخلافات المذهبية، حيث يشعر القارئ أنه يقرأ في كتاب من كتب الفقه، لا في كتاب
من كتب التفسير.
والجصاص يتعصب لمذهب الحنفية تعصبًا ممقوتًا، يحمله
على التعسف في تفسير الآيات وتأويلها انتصارًا لمذهبه، ويشتد في الرد على
المخالفين متعنتًا
في التأويل بصورة تنفر القارئ أحيانًا من متابعة
القراءة، لعباراته اللاذعة في مناقشة المذاهب الأخرى.
ويبدو من تفسير
الجصاص كذلك أنه ينحو منحى المعتزلة في العقائد. فيقول مثلًا في قوله تعالى: {لا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} 1: معناه لا تراه الأبصار، وهذا تمدح بنفي رؤية
الأبصار، كقوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 2، وما تمدح الله
بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص، فغير جائز إثبات نقيضه بحال.. فلما تمدح
بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال. إذ كان فيه إثبات صفة نقص،
ولا يجوز أن يكون مخصوصًا بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 3؛ لأن النظر محتمل لمعان: منها انتظار الثواب، كما رُوِي عن
جماعة من السلف، فلما كان ذلك محتملًا للتأويل لم يجز الاعتراض به على ما لا مساغ
للتأويل فيه، والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحت، وهو علم
الضرورة الذي لا تشوبه شبهة، ولا تعرض فيه الشكوك؛ لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة
في اللغة "4."
والكتاب مطبوع في ثلاث مجلدات، وهو متداول بين أهل
العلم، ومن مراجع الفقه الحنفي.
1 الأنعام: 103.
2 البقرة:
255.
3 القيامة: 22، 23.
4 انظر جـ3 ص5.
2-
أحكام القرآن - لابن العربي:
أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد
الله بن أحمد المعافري الأندلسي الإشبيلي. من أئمة علماء الأندلس المتبحرين. وهو
مالكي المذهب. وكتابه "أحكام القرآن" أهم مرجع للتفسير الفقهي عند المالكية.
وابن
العربي في تفسيره رجل معتدل منصف، لا يتعصب لمذهبه كثيرًا، ولا يتعسف في تفنيد
آراء المخالفين كما فعل الجصاص، وإن كان يتغاضى عن كل زلة علمية تصدر من مجتهد
مالكي.
وهو يذكر آراء العلماء في تفسير الآية مقتصرًا على آيات
الأحكام، ويُبين احتمالاتها المختلفة لدى المذاهب المتعددة، ويُفرد كل نقطة في
تفسير الآية بعنوان. فيقول: المسألة الأولى.. المسألة الثانية.. وهكذا، وقلَّما
يقسو في الرد على مخالفيه، كقوله مثلًا في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} 1:
"المسألة الحادية عشرة" قوله عز وجل: {فَاغْسِلُوا} وظن الشافعي - وهو عند أصحابه
معد بن عدنان في الفصاحة بله أبي حنيفة وسواه - أن الغسل صب الماء على المغسول من
غير عرك، وقد بينا فساد ذلك في مسائل الخلاف، وفي سورة النساء، وحققنا أن الغسل
مس اليد مع إمرار الماء أو ما في معنى اليد "2."
ويحتكم ابن العربي في
تفسيره إلى اللغة في استنباط الأحكام. وينفر من الإسرائيليات، ويتعرض لنقد
الأحاديث الضعيفة ويحذر منها.
والكتاب مطبوع عدة طبعات، منها طبعة في
مجلدين كبيرين، ومنها طبعة في أربع مجلدات ويتداوله العلماء.
1
المائدة: 6.
2 انظر جـ1 ص232.
3- الجامع لأحكام القرآن -
لأبي عبد الله القرطبي:
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح
الأنصاري، الخزرجي الأندلسي، عالِم فذ من علماء المالكية. له مصنفات كثيرة،
أشهرها كتابه في التفسير "الجامع لأحكام القرآن" .
والقرطبي في تفسيره
لم يقتصر على آيات الأحكام وإنما يفسر القرآن الكريم تباعًا، فيذكر سبب النزول،
ويعرض للقراءات والإعراب، ويشرح الغريب من الألفاظ، ويضيف الأقوال إلى قائليها،
ويضرب صفحًا عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، وينقل عن العلماء
السابقين الموثوقين. ولا سيما من ألَّف منهم في كتب الأحكام، فينقل عن ابن جرير
الطبري، وابن عطية، وابن العربي، والكيا الهراس، وأبي بكر الجصاص.
ويفيض
القرطبي في بحث آيات الأحكام، فيذكر مسائل الخلاف، ويسوق أدلة كل رأي، ويعلق
عليها، ولا يتعصب لمذهبه المالكي، ففي تفسير قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} 1, يقول في المسألة الثانية
عشرة من مسائل هذه الآية بعد أن ذكر خلاف العلماء في حكم مَن أكل في نهار رمضان
ناسيًا وما نُقِل عن مالك من أنه يفطر وعليه القضاء يقول: "وعند غير مالك ليس
بمفطر كل من أكل ناسيًا لصومه، قلت: وهو الصحيح، وبه قال الجمهور إن مَن أكل أو
شرب ناسيًا فلا قضاء عليه، وأن صومه تام، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله,
صلى الله عليه وسلم:" إذا أكل الصائم ناسيًا أو شرب ناسيًا فإنما هو رزق ساقه
الله تعالى إليه، ولا قضاء عليه "2, فأنت ترى أنه بهذا يخالف مذهبه، وينصف
الآخرين."
ويرد القرطبي على الفرق، فيرد على المعتزلة، والقدرية،
والروافض، والفلاسفة، وغلاة المتصوفة، ولكن بأسلوب مهذب كذلك، ويدفعه الإنصاف إلى
الدفاع عمن يهاجمهم ابن العربي من المخالفين أحيانًا - ويلومه على ما يصدر منه من
عبارات قاسية على علماء المسلمين. وحين ينقد يكون نقده نزيهًا في أدب وعفة.
وقد
كان كتاب "الجامع لأحكام القرآن" مفقودًا من المكتبات حتى قامت دار الكتب المصرية
بطبعه أخيرًا فيسَّرت الحصول عليه للقارئين.
1 البقرة: 187.
2
انظر جـ2 ص322.
26- تراجم لبعض مشاهير المفسرين "ابن عباس" :
نسبه
وحياته: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي
ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمه أم الفضل لبابة بنت الحارث الهلالية،
ولد وبنو هاشم بالشعب قبل الهجرة بثلاث -وقيل بخمس- والأول أثبت.
وقد
حج عبد الله بن عباس سنة قتل عثمان بأمر منه، وكان على الميسرة يوم صفين، وولاه
على البصرة، فلم يزل ابن عباس عليها حتى قُتل عليٌّ فاستخلف على البصرة عبد الله
بن الحارث ومضى إلى الحجاز، وتوفي بالطائف سنة خمس وستين -وقيل سبع، وقيل ثمان-
وهو الصحيح في قول الجمهور، قال الواقدي: لا خلاف عند أئمتنا أنه ولد بالشعب حين
حصرت قريش بني هاشم، وأنه كان له عند موت النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عشرة
سنة.
منزلته وعلمه: وابن عباس ترجمان القرآن، وحَبْر الأمة، ورئيس
المفسرين، فقد أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: "نِعْمَ ترجمان القرآن
ابن عباس" وأخرج أبو نعيم عن مجاهد قال: "كان ابن عباس يُسمى البحر لكثرة علمه" ،
وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن يحيى بن سعيد الأنصاري: "لما مات زيد بن ثابت قال أبو
هريرة: مات حَبْر هذه الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس خَلَفًا" .
وقد
أحرز ابن عباس منزلته بين كبار الصحابة على صغر سنه بعلمه وفهمه تحقيقًا لدعوة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففي الصحيح عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
ضمه إليه وقال: "اللهم علمه الحكمة" . وفي معجم البغوي، وغيره عن عمر أنه كان
يقرب ابن عباس ويقول: "إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاك فمسح رأسك،
وتَفَلَ في فيك" وقال: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" . وأخرج البخاري
من
طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر،
فكأن بعضهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لِمَ يدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال
عمر: إنه مَن علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ
إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ
وَالْفَتْحُ} 1؟ فقال بعضهم: أُمْرِنا أن نحمد الله ونستغفره إذ نصرنا وفتح
علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يابن عباس؟ فقلت: لا،
فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجَلُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلمه له، قال:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} 2, فقال عمر: لا أعلم منها إلا
ما تقول "."
تفسيره: وقد ورد عن ابن عباس في التفسير ما لا يُحصى
كثرةً، وجُمِع ما نُقِل عنه في تفسير مختصر ممزوج يسمى "تفسير ابن عباس" وفيه
روايات وطرق مختلفة، ولكن أحسن الطرق عنه طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عنه،
واعتمد على هذه البخاري في صحيحه، ومن جيد الطرق طريق قيس بن مسلم الكوفي عن عطاء
بن السائب.
وفي التفاسير الطوال التي أسندوها إلى ابن عباس مجاهيل،
وأوهى طرقه طريق الكلبي عن أبي صالح، والكلبي هو أبو النصر محمد بن السائب
المتوفى سنة 146هـ، فإن انضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير المتوفى سنة
186هـ فهي سلسلة الكذب، وكذلك طريق مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي، إلا أن الكلبي
يفضل عليه لما في مقاتل من المذاهب الرديئة..
وطريق الضحاك بن مزاحم
الكوفي عن ابن عباس منقطعة، فإنه لم يلق ابن عباس، وإن انضم إلى ذلك رواية بشر بن
عمارة فضعيفة لضعف بشر، وإن كان من رواية جويبر عن الضحاك فأشد ضعفًا؛ لأن
جويبرًا شديد الضعف متروك.
1 النصر: 1.
2 النصر: 3.
وطريق
العوفي عن ابن عباس أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرًا والعوفي ضعيف ليس
بواه، وربما حسَّن له الترمذي.
وبهذا يستطيع القارئ أن ينقب عن الطرق
ويعرف منها الجيد المقبول من الضعيف أو المتروك، فليس كل ما رُوِي عن ابن عباس
بالصحيح الثابت. وقد ذكرنا مزيدًا من التفصيل عن ذلك عند الكلام عن تفسيره.
مجاهد
بن جبر
نسبه وحياته: هو مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المخزومي
المقرئ، مولى السائب بن أبي السائب، رَوَى عن عليٍّ، وسعد بن أبي وقاص، والعبادلة
الأربعة، ورافع بن خديج، وعائشة، وأم سلمة، وأبي هريرة، وسراقة بن مالك، وعبد
الله بن السائب المخزومي، وخلق كثير. ورَوَى عنه عطاء، وعكرمة، وعمرو بن دينار،
وقتادة, وسليمان الأحول، وسليمان الأعمش، وعبد الله بن كثير القارئ، وآخرون. وكان
مولده سنة 21هـ "إحدى وعشرين" في خلافة عمر، ومات سنة اثنتين أو ثلاث ومائة، وقال
يحيى القطان: مات سنة 104هـ "أربع ومائة" .
منزلته: ومجاهد رأس
المفسرين من طبقة التابعين حتى قيل إنه كان أعلمهم بالتفسير، وقد أخذ تفسيره عن
ابن عباس ثلاثين مرة، وعنه أيضًا قال: عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف
عند كل آية وأسأله عنها, فِيم نزلت، وكيف كانت؟ وقال الثوري، إذا جاءك التفسير عن
مجاهد فحسبك به، قال ابن تيمية: ولهذا يعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وغيرهما
من أهل العلم.
وقال أبو حاتم: مجاهد لم يسمع عن عائشة، حديثه عنها
مرسل، وقال: مجاهد عن سعد ومعاوية وكعب بن عجرة مرسل، وقال أبو نعيم، قال يحيى
القطان: مرسلات مجاهد أحب إليَّ من مرسلات عطاء، وقال قتادة: أعلم مَن بقي
بالتفسير مجاهد، وقال ابن سعد: كان ثقة فقيهًا عالِمًا كثير الحديث،
وقال
ابن حبان: كان فقيهًا ورعًا عابدًا متقنًا، وقال الذهبي في آخر ترجمته: أجمعت
الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به، وقال: قرأ عليه عبد الله بن كثير.
وإذا
كان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، فليس معنى هذا أن نأخذ كل
ما نُسِب إلى مجاهد، فإن مجاهدًا كغيره من الرواة الذين نُقِل عنهم، وقد يكون من
النقلة عنه الضعيف الذي لا يوثق به، فلا بد من التحري وثبوت سلامة السند، شأنه في
ذلك شأن ابن عباس فيما رُوِي عنه.
الطبري
نسبه وحياته: هو
محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن كثير أبو جعفر الطبري، الآملي الأصل، البغدادي
المولد والوفاة - ولد سنة 224هـ "أربع وعشرين ومائتين" ، وتوفي سنة 310هـ "عشر
وثلاثمائة" ، وكان عالِمًا فذًّا كثير الرواية ذا بصيرة بالنقل والترجيح بين
الروايات، وله باع طويل في تاريخ الرجال وأخبار الأمم.
تصانيفه: صنف
ابن جرير من الكتب: جامع البيان في تفسير القرآن، وتاريخ الأمم والملوك وأخبارهم،
والآداب الحميدة والأخلاق النفيسة، وتاريخ الرجال، واختلاف الفقهاء، وتهذيب
الآثار، وكتاب البسيط في الفقه، والجامع في القراءات، وكتاب التبصير في
الأصول.
تفسيره: وكتابه في التفسير "جامع البيان في تفسير القرآن"
أَجَلُّ التفاسير وأعظمها، وهو المرجع الأصيل للمفسرين بالأثر، وابن جرير يورد
التفسير مسندًا إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، ويتعرض لتوجيه الأقوال وترجيح
بعضها على بعض، وقد أجمع العلماء المعتبرون على أنه لم يؤلف في التفسير مثله، قال
النووي في تهذيبه: كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنِّف أحد مثله، ويمتاز ابن جرير
بالاستنباط الرائع، والإشارة إلى ما خفي في الإعراب، وبذلك كان تفسيره فوق أقرانه
من التفاسير، وأكثر ما ينقل ابن كثير عن ابن جرير.
ابن كثير
نسبه
وحياته: هو إسماعيل بن عمر القرشي ابن كثير البصري ثم الدمشقي، عماد الدين أبو
الفداء الحافظ المحدِّث الشافعي.
ولد سنة 705هـ "خمس وسبعمائة" ،
وتوفي سنة 774هـ "أربع وسبعين وسبعمائة" ، بعد حياة زاخرة بالعلم، فقد كان فقيهًا
متقنًا، ومحدِّثًا بارعًا، ومؤرخًا ماهرًا، ومفسرًا ضابطًا، قال فيه الحافظ ابن
حجر: "إنه كان من محدِّثي الفقهاء" وقال: "سارت تصانيفه في البلاد في حياته،
وانتُفِع بها بعد وفاته" .
تصانيفه: ومن تصانيفه: البداية والنهاية في
التاريخ، وهو من أهم المراجع للمؤرخين، والكواكب الدراري في التاريخ، انتخبه من
البداية والنهاية، وتفسير القرآن، والاجتهاد في طلب الجهاد، وجامع المسانيد،
والسنن الهادي لأقوم سنن، والواضح النفيس في مناقب الإمام محمد بن إدريس.
تفسيره:
قال فيه السيد محمد رشيد رضا: "هذا التفسير من أشهر كتب التفسير في العناية بما
رُوِي عن مفسري السلف، وبيان معاني الآيات وأحكامها، وتحامي ما أطال به الكثيرون
من مباحث الإعراب ونكت فنون البلاغة، أو الاستطراد لعلوم أخرى لا يُحتاج إليها في
فهم القرآن، ولا التفقه فيه، ولا الاتعاظ به."
ومن مزاياه العناية بما
يسمونه تفسير القرآن بالقرآن، فهو أكثر ما عرفنا من كتب التفسير سردًا للآيات
المتناسبة في المعنى، ويلي ذلك فيه الأحاديث المرفوعة التي تتعلق بالآية وبيان ما
يُحتج به منها، ويليها آثار الصحابة وأقوال التابعين ومَن بعدهم من علماء
السلف.
ومنها تذكيره بما في التفسير المأثور من منكرات الإسرائيليات
وتحذيره منها بالإجمال، وبيانه لبعض منكراتها بالتعيين، ويا ليته استقصى ذلك أو
ترك إيراد ما لم تتوفر فيه داعية التمحيص والتحقيق "ا. هـ."
فخر الدين
الرازي
نسبه وحياته: هو محمد بن عمر بن الحسن التميمي البكري
الطبرستاني الرازي فخر الدين المعروف بابن الخطيب الشافعي الفقيه.
ولد
بالري سنة 543هـ "ثلاث وأربعين وخمسمائة" ، وتوفي بهراة سنة 606هـ "ست وستمائة" -
ودرس العلوم الدينية والعلوم العقلية، فتعمق في المنطق والفلسفة، وبرز في علم
الكلام، وله في هذا كله الكتب والشروح والتعليقات، حتى عدوه من فلاسفة عصره، ولا
تزال كتبه مراجع مهمة لمن يسمونهم بالفلاسفة الإسلاميين.
تصانيفه:
ولفخر الدين الرازي تصانيف كثيرة، منها: مفاتيح الغيب في تفسير القرآن، وتفسيره
أسرار التنزيل وأنوار التأويل، وإحكام الأحكام، والمحصل في أصول الفقه، والبرهان
في قراءة القرآن، ودرة التنزيل وغرة التأويل في الآيات المتشابهات، وشرح الإشارات
والتنبيهات لابن سينا، وإبطال القياس، وشرح القانون لابن سينا، والبيان والبرهان
في الرد على أهل الزيغ والطغيان، وتعجيز الفلاسفة، ورسالة الجوهر، ورسالة الحدوث,
وكتاب الملل والنحل، ومحصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والمتكلمين في
علم الكلام، وشرح المفصل للزمخشري.
تفسيره: وقد أثرت العلوم العقلية
على الرازي في تفسيره، فمزجه بخليط من الطب والمنطق والفلسفة والحكمة، وخرج به عن
معاني القرآن وروح آياته، وحمَّل نصوص الكتاب ما لم تنزل له من مسائل العلوم
العقلية واصطلاحاتها العلمية، ففقد كتابه بهذا روحانية التفسير وهداية الإسلام،
ولذلك قال بعض العماء: "فيه كل شيء إلا التفسير" كما ذكرنا آنفًا.
الزمخشري
نسبه
وحياته: هو أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري - ولد في السابع والعشرين
من شهر رجب سنة 467هـ "سبع وستين وأربعمائة" بزمخشر، وهي قرية كبيرة من قرى
خوارزم، وتلقى العلم في بلاده، ورحل إلى بخارى في طلبه، وأخذ الأدب عن شيخه منصور
أبي مضر، ثم رحل إلى مكة وجاور بها زمانًا، فقيل له "جار الله" وبها ألَّف كتابه
في التفسير "الكشاف في حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل"
وتوفي الزمخشري سنة 538هـ "ثمان وثلاثين وخمسمائة" ، بجرجانية خوارزم بعد رجوعه
من مكة، ورثاه بعضهم بأبيات منها:
فأرض مكة تذري الدمع مقلتها ...
حزنًا لفرقة جار الله محمود
علمه ومؤلفاته: والزمخشري إمام من أئمة
اللغة والمعاني والبيان، وكثيرًا ما يجد القارئ في كتب النحو والبلاغة استشهادات
له من كتبه للاحتجاج بها، فيقولون: قال الزمخشري في كشافه، أو في أساس البلاغة،
وهو صاحب رأي وحجة في كثير من مسائل العربية، وليس من هؤلاء النفر الذين ينهجون
نهج غيرهم فيجمعون وينقلون، ولكنه صاحب رأي يقتفي غيره أثره وينقل عنه، وله
تصانيف في الحديث والتفسير والنحو واللغة والمعاني والبيان وغير ذلك، منها: كتابه
في تفسير القرآن "الكشاف" ، والفائق في تفسير الحديث، والمنهاج في الأصول،
والمفصل في النحو، وأساس البلاغة في اللغة، ورءوس المسائل الفقهية.
مذهبه
وعقيدته: والزمخشري حنفي المذهب، معتزلي العقيدة، يؤوِّل الآيات وفق مذهبه
وعقيدته بلحن لا يدركه إلا الخاصة، ويسمِّى المعتزلة: إخوانه في الدين من أفاضل
الفئة الناجية العدلية.
تفسيره: وكتاب الكشاف للزمخشري من أشهر كتب
المفسرين بالرأي، الماهرين في اللغة، وينقل عنه الآلوسي، وأبو السعود, والنسفي،
وغيرهم من
المفسرين بدون نسبة إليه، واعتزالياته في التفسير قد تولى
التنقيب عنها العلامة أحمد المنير. وسماها بالانتصاف، وفيها يناقش الزمخشري فيما
أورده من العقائد على مذهب المعتزلة ويورد ما يقابلها، كما يناقشه في كثير من
أبواب اللغة، وقد طبعت المكتبة التجارية بمصر "الكشاف" طبعة أخيرة رتبها مصطفى
حسين أحمد، وذُيِّلت بأربعة كتب، الأول: "الانتصاف" السابق, والثاني "الكافي
الشافي في تخريج أحاديث الكشاف" للحافظ ابن حجر العسقلاني، والثالث: "حاشية الشيخ
محمد عليان المرزوقي على تفسير الكشاف" كـ "الانتصاف" ، والرابع: "مشاهد الإنصاف
على شواهد الكشاف" للمرزوقي المذكور - وقد ضمَّن تفسيره كثيرًا من عقائد المعتزلة
على طريق الإشارة، وقد ذكرنا قبل ما نُقِل عن البلقيني أنه قال: استخرجت من
الكشاف اعتزالًا بالمناقيش.
الشوكاني
نسبه وحياته: هو
القاضي محمد بن علي بن عبد الله الشوكاني ثم الصنعاني الإمام المجتهد، ناصر
السٌّنَّة، وقامع البدعة.
ولد سنة 1173هـ "ثلاث وسبعين ومائة وألف" في
بلدة هجرة شوكان، ونشأ بصنعاء، فقرأ القرآن، وأخذ يطلب العلم، ويسمع من العلماء
الأعلام، وحفظ كثيرًا من متون النحو والصرف والبلاغة، والأصول وآداب البحث
والمناظرة، حتى صار إمامًا يشار إليه بالبنان، وظل مكبًّا على العلم قراءة
وتدريسًا إلى أن توفي سنة 1250هـ "خمسين ومائتين وألف" .
مذهبه
وعقيدته: تفقه على مذهب الإمام زيد، وبرع فيه، وألَّف وأفتى، وطلب الحديث، وفاقَ
فيه أهل زمانه حتى خلع ربقة التقليد، وصار مناصرًا للسُّنة ومناوئًا لأعدائها،
وكان يرى تحريم التقليد, حتى ألَّفَ في ذلك رسالة أسماها "القول المفيد في أدلة
الاجتهاد والتقليد" .
مؤلفاته: له مؤلفات عديدة في شتى الفنون منها
تفسيره "فتح القدير" وشرحه "نيل الأوطار على منتقى الأخبار" للمجد ابن تيمية جد
شيخ الإسلام، وهو من خير ما كُتب في الحديث على أبواب الفقه، وكتابه في الأصول
"إرشاد الفحول" وفتاواه المسماة بـ "الفتح الرباني" .
تفسيره: وفتح
القدير للشوكاني تفسير يجمع بين الرواية والاستنباط وفقه نصوص الآيات، اعتمد فيه
على فحول المفسرين كالنحاس، وابن عطية، والقرطبي. وهو متداول في جهات كثيرة من
أنحاء العالَم الإسلامي.
وصلى الله على رسولنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
المراجع
1- الإتقان في علوم القرآن - للسيوطي.
2- الإصابة في تمييز
الصحابة - لابن حجر العسقلاني.
3- الأعلام - لخير الدين الزركلي.
4-
إعجاز القرآن - للباقلاني.
5- البرهان في علوم القرآن - للزركشي.
6-
تفسير الطبري "جامع البيان" - لابن جرير.
7- تفسير القرآن العظيم -
لابن كثير.
8- الكشاف - للزمخشري.
9- التفسير والمفسرون -
لمحمد حسين الذهبي.
10- تهذيب التهذيب - لابن حجر العسقلاني.
11-
رسالة التوحيد - لمحمد عبده.
12- الرد على المنطقيين - لابن تيمية.
13-
التدمرية - لابن تيمية.
14- اقتضاء الصراط المستقيم - لابن تيمية.
15-
الإكليل في التشابه والتأويل - لابن تيمية.
16- العقل والنقل - لابن
تيمية.
17- أعلام الموقعين - لابن القيم.
18- أقسام القرآن
- لابن القيم.
19- إعجاز القرآن - لمصطفى صادق الرافعي.
20-
الوحي المحمدي - للسيد محمد رشيد رضا.
21- القاموس المحيط -
للفيروزآبادي.
22 مفردات غريب القرآن - للراغب الأصبهاني.
23-
روضة الناظر - لابن قدامة.
24- فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت - لابن
عبد الشكور.
25- المستصفى - للغزالي.
26- مناهل العرفان -
للزرقاني.
27- مباحث في علوم القرآن - لصبحي الصالح.
28-
النبأ العظيم - لمحمد عبد الله دراز.
29- منهج الفرقان في علوم القرآن
- لمحمد علي سلامة.
30- بلاغة القرآن - لمحمد الخضر حسين.
31-
مقدمة في أصول التفسير - لابن تيمية.
32- كشف الظنون عن أساس الكتب
والفنون - لحاجي خليفة.
33- هدية العارفين - لإسماعيل البغدادي.
34-
الأحكام - للآمدي.
35- الفلسفة القرآنية - للعقاد.
36-
رياض الصالحين - للنووي.
37- مقدمة ابن خلدون - لابن خلدون.
محتويات
الكتاب
مقدمة الطبعة السابعة 3
1- التعريف بالعلم وبيان
نشأته وتطوره "5- 12"
2- القرآن "13- 25"
الصفحة الصفحة
تعريف
القرآن 15 الحديث القدسي 12
أسماؤه وأوصافه 17 الفرق بين القرآن
والحديث القدسي 22
الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي 20
الفرق بين الحديث القدسي والحديث النبوي23
الحديث النبوي 20
3-
الوحي "26- 48"
إمكانية الوحي ووقوعه 26 كيفية وحي الملك إلى الرسول
36
معنى الوحي 28 شبه الجاحدين على الوحي 38
كيفية وحي
الله إلى ملائكته 30 متاهات المتكلمين 47
كيفية وحي الله إلى رسله
34
4- المكي والمدني "49- 64"
عناية العلماء بالمكي
والمدني وأمثلة
ذلك وفوائده 51 معرفة المكي والمدني وبيان الفرق
بينهما 59
فوائد العلم بالمكي والمدني 58 الفرق بين المكي والمدني
60
مميزات المكي والمدني 62
5- معرفة أول ما نزل وآخر ما
نزل "65- 74"
أول ما نزل 65 أوائل موضوعية 72
آخر ما نزل
58 فوائد هذا المبحث 73
أسباب النزول "75- 99"
عناية
العلماء به 75 فوائد معرفة سبب النزول 79
ما يعتمد عليه في معرفة سبب
النزول76 العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب 82
الصفحة الصفحة
صيغة
سبب النزول 85 تعدد ما نزل في شخص واحد 94
تعدد الروايات في سبب
النزول 87 الاستفادة منمعرفةأسباب النزول
تعدد النزول مع وحدة السبب
92 في مجال التربية والتعليم 95
تقدم نزول الآية على الحكم 92
المناسبات بين الآيات والسور 96
7- نزول القرآن "100 - 118"
نزول
القرآن جملة 100 الاستفادة من نزول القرآن منجما في
نزول القرآن منجما
105 التربية والتعليم 117
حكمة نزول القرآن منجما 107
8-
جمع القرآن وتربية "119- 155"
أ- جمع القرآن بمعنى حفظه على شبه
مردودة 136
عهد النبي صلى الله عليه وسلم 119 ترتيب الآيات والسور
140
ب- جمع القرآن بمعنى كتابته على ترتيب الآيات 140
عهد
النبي صلى الله عليه وسلم 122 ترتيب السور 142
جمع القرآن في عهد أبي
بكر رضي سوْر القرآن وآياته 145
الله عنه 126 الرسم العثماني 146
جمع
القرآن في عهد عثمان رضي تحسين الرسم العثماني 150
الله عنه 129
الفواصل ورءوس الآي 152
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان 132
9-
نزول القرآن على سبعة أحرف "156 - 170"
اختلاف العلماء في المراد
بها،
الترجيح بينها 158 حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف 169
10-
القراءات والقراء "171 - 197"
كثرة القراء والسبب في الاقتصار
على
السبعة 173 الوقف والابتداء 187
أنواع القراءات وحكمها وضوابطها 176
التجويد وآداب التلاوة 190
فوائد الاختلاف في القراءات الصحيحة 181
تعلم القرآن والأجرة عليه 196
11- القواعد التي يحتاج إليها المفسر
"198- 218"
الصفحة الصفحة
1- الضمائر 198 6- السؤال
والجواب 208
2- التعريف والتنكير 202 7- الخطاب بالاسم والخطاب 209
3-
الإفراد والجمع 205 8- العطف 210
4- مقابلة الجمع بالجمع أو بالفرد
207 الفرق بين الإيتاء والإعطاء 212
5- ما يظن أنه مترادف وليس من
ألفاظ: فعل، كان، كاد، جعل،
المترادف 207 لعل، عسى 213
12-
الفرق بين المحكم والمتشابه "219 - 225"
الإحكام العام والتشابه العام
219 التوفيق بين الرأيين بفهم معنى التأويل223
الاختلاف في معرفة
المتشابه 222
13- العام والخاص "226 - 236"
تعريف العام
وصيغ العموم 226 تخصيص السنة بالقرآن 234
أقسام العام 229 صحة
الاحتجاج بالعام بعد تخصيصه
الفرق بين العام المراد به الخصوص فيما
بقي 234
والعام المخصوص 231 ما يشمله الخطاب 235
تعريف
الخاص وبيان المخصص 232
14- الناسخ والمنسوخ "237 - 252"
تعريف
النسخ وشروطه 237 أنواع النسخ في القرآن 244
ما يقع فيه النسخ 239
حكمة النسخ 246
ما به يعرف النسخ وأهيمته 239 النسخ إلى بدل وإلى غير
بدل 247
الآراء في النسخ وأدلة ثبوته 240 شبه النسخ 248
أقسام
النسخ 243 أمثلة للنسخ 249
15- المطلق والمقيد "253 - 256"
الصفحة
الصفح
تعريف المطلق والمقيد 253 أقسام المطلق والمقيد وحكم كل منهما
253
16- المنطوق والمفهوم "257 - 263"
تعريف المنطوق
وأقسامه 257 تعريف المفهوم وأقسامه 259
دلالة الاقتضاء ودلالة الإشارة
258 الاختلاف في الاحتجاج به 261
17- إعجاز القرآن "264 - 289"
تعريف
الإعجاز وإثباته 265 الإعجاز اللغوي 272
وجوه إعجاز القرآن 268
الإعجاز العلمي 278
القدر المعجز من القرآن 271 الإعجاز التشريعي
284
18- أمثال القرآن "290 - 299"
تعريف المثل 291 فوائد
الأمثال 297
أنواع الأمثال في القرآن 293 ضرب الأمثال بالقرآن 299
19-
أقسام القرآن "300 - 308"
تعريف القسم وصيغته 300 أحوال المقسم عليه
304
فائدة القسم في القرآن 301 القسم والشروط 306
المقسم
به في القرآن 302 إجراء بعض الأفعال مجرى القسم 308
أنواع القسم
وصيغته 303
20- جدل القرآن "309- 315"
تعريف الجدل 309
أنواع من مناظرات القرآن وأدلته 313
طريقة القرآن في المناظرة 310
21-
قصص القرآن "316 - 322"
معنى القصص 316 القصة في القرآن حقيقة لا خيال
319
أنواع القصص في القرآن 317 أثر القصص القرآني في التربية
فوائد
قصص القرآن 317 والتهذيب 321
تكرار القصص وحكمته 318
22-
ترجمة القرآن "323 - 333"
الصفحة الصفحة
معنى الترجمة 324
الترجمة التفسيرية 327
حكم الترجمة الحرفية 325 القراءة في الصلاة
بغير العربية 329
الترجمة المعنوية 325 قوة الأمة الإسلامية هي سبيل
انتصار
حكم الترجمة المعنوية 326 الإسلام وسيادة لغة القرآن 331
23-
التفسير والتأويل "334 - 339"
معنى التفسير والتأويل 334 شرف التفسير
339
الفرق بين التفسير والتأويل 338
24- شروط المفسر
وآدابه "340- 343"
شروط المفسر 340 آداب المفسر 342
25-
نشأة التفسير وتطوره "344 - 370"
التفسير في عهد النبي صلى الله
عليه
وسلم أصحابه 345 تجنب الإسرائيليات 360
التفسر في عصر التابعين 348
حكم التفسير بالمأثور 360
التفسير في عصور التدوين 351 التفسير بالرأي
363
التفسير الموضوعي 353 حكم التفسير بالرأي 363
طبقات
المفسرين 354 الإسرائيليات 364
التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي 358
تفسير الصوفية 366
التفسير بالمأثور 358 التفسير الإشاري 367
الاختلاف
فيه 359 غرائب التفسير 369
التعريف بأشهر كتب التفسير "370 - 377"
أشهر
الكتب المؤلفة في التفسير بالمأثور 370 2- جامع البيان في تفسير القرآن
1-
تفسير ابن عباس 371 - للطبري 374
الصفحة الصفحة
3- المحرر
الوجيز في تفسير 4- تفسير القرآن العظيم -
الكتاب العزيز - لابن عطية
375 لابن كثير 376
أشهر الكتب المؤلفة في التفسير بالرأي "377 -
381"
1- مفاتيح الغيب - للرازي 378 3- الكشاف عن حقائق التنزيل
2-
البحر المحيط - لأبي حيان 379 وعيون الأقاويل - للزمخشري 380
أشهر كتب
التفسير في العصر الحديث "382 - 386"
1- الجواهر في تفسير القرآن -
للشيخ
طنطاوي جوهري 382 3- التفسير البياني للقرآن الكريم
2- تفسير المنار -
للسيد محمد - لعائشة عبد الرحمن "بنت الشاطئ" 385
رشيد رضا 383
تفسير
الفقهاء "387 - 391"
1- أحكام القرآن - للجصاص 387 3- الجامع لأحكام
القرآن -
2- أحكام القرآن - لابن العربي 388 لأبي عبد الله القرطبي
389
26- تراجم لبعض مشاهير المفسرين "391 - 400"
ابن عباس
391 فخر الدين الرازي 396
مجاهد بن جبر 393 الزمخشري 397
الطبري
394 الشوكاني 398
ابن كثير 395
المراجع 400
محتويات
الكتاب 402